-A +A
عزيزة المانع
لا أدري ما الذي بعث كلمة أريحية من بين طيات الكلمات التي سبق دفنها مع ما دفن من مفردات اللغة العربية الفصيحة، فعادت هذه الكلمة إلى الحياة لتحتل ساحة التداول بالألسنة والأقلام، لكنها هذه المرة عادت تحمل معنى جديدا مختلفا عن المعنى الأصلي الذي كانت تحمله!

كلمة أريحية كما تقول المعاجم العربية تعني الارتياح للبذل والعطاء وعمل المعروف، فيقال فلان مشهور بأريحيته أي أنه يرتاح لفعل الخير. وفي لسان العرب: «الأريحي: الرجل الواسع الخلق النشيط إلى المعروف، يرتاح لما طلبت ويراح قلبه سرورا. ومنه قولهم: أريحي، إذا كان سخيا يرتاح للندى، ويقال أخذته الأريحية إذا ارتاح للندى».


فالأريحية، لا علاقة لها بالراحة البدنية، لكن المستخدمين الجدد لهذه الكلمة يجهلون معناها الأصلي، ففهموها بمعنى آخر تبادر إلى أذهانهم، فهموها بمعنى الراحة البدنية. وصارت تتردد على ألسنة بعض الناس وفي كتابات بعض الكتاب يشيرون بها الى راحة البدن، فأخرجوا الكلمة من معناها الأصلي واستخدموها في معنى آخر مختلف، لا لشيء سوى الجهل باللغة.

في السابق كان الجاهل باللغة لا تأثير له على الناس، حيث يظل جهله محصورا فيه أو على الأقل في فئة قليلة ممن يحيطون به، أما اليوم فإن الوضع اختلف وصار الجاهل ينشر جهله بين الناس ذات اليمين وذات الشمال كفيروس لا يمكن التحكم به، وذلك حين يكون الجاهل يعمل كاتبا في صحيفة مقروءة، أو مذيعا في قناة معروفة، أو معلقا رياضيا، أو مغردا ذا شعبية، أو غير ذلك من الأعمال التي لها اتصال واسع بعامة الناس، فمثل هذه الأعمال تسهم في سرعة نشر الخطأ اللغوي بين الناس، لأن العاملين فيها يعدون نجوما لامعة في أعين الناشئة وغيرهم من العامة والبسطاء، وحين يخطئون في معاني اللغة، سرعان ما يقتدون بهم في أخطائهم ظنا منهم أنها صواب، فطبيعة العمل الذي يقومون به ومكانتهم توهم المتابعين لهم بأنهم (مرجع) علمي تستقى منه المعرفة، فيعم الجهل وينتشر الخطأ بين الناس لذلك السبب.

من الملام في هذا؟ من وجهة نظري أرى أن وزارة الثقافة والإعلام هي المسؤولة الأولى عن ذلك، فهي لا تدقق في اختيار العاملين فيها الذين يظهرون على الناس عبر الشاشات وعلى صفحات الصحف، فالأبواب مفتوحة لكل من أشهر قلمه مدعيا القدرة على الكتابة والقراءة والتعليق وغير ذلك، مما جعل الساحة الثقافية حمى مستباحا لكل من عد نفسه متعلما قادرا على مخاطبة الجمهور، حتى وإن كان في الحقيقة غير ذلك.

إن العاملين في النوافذ الإعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة، هم في الواقع الذين يقودون ثقافة الشباب والناشئة، ومنهم يستقي العامة المعرفة، وحين لا يكونون أكفاء، فإنهم يجنون على الشباب بالانحدار بهم في فضاء المعرفة بدلا من الارتقاء.