-A +A
خالد عباس طاشكندي
يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور والمعروف بنظرته الواقعية بشدة للحياة: «ينتج العناد عن محاولة الإرادة إقحام نفسها محل العقل»، وهذا بالفعل ما يحدث حالياً مع الحكومة القطرية التي لا تزال تتعامل مع أزمة العزلة التي أوقعت نفسها فيها بتعنت ومكابرة ومبررات غير منطقية، ستكون تبعاتها خطيرة جداً على مستقبل قطر وأمنها واستقرارها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وحتى الموقف الأمريكي حول تمويل قطر للإرهاب لم يدفعها إلى التراجع، وهو ما يدل على قلة وعي وخبرة وحكمة القيادة القطرية في التعامل مع الأحداث، ولا يلوح في الأفق أن قطر ستتراجع قبل انقضاء مهلة الأيام العشرة التي منحتها السعودية ومصر والإمارات والبحرين لقطر، والتي لم يتبق منها سوى أقل من 72 ساعة، فماذا سيحدث خلال مرحلة ما بعد المهلة؟!

بشكل عام ستتضاعف العزلة إقليميا وعالمياً؛ إذ بدأت تبعاتها بتدهور سعر الريال القطري وتوقف العديد من المصارف العالمية عن تداوله، مع تضاعف أسعار السلع الأساسية بما يفوق قدرة فئات من العمالة الأجنبية على البقاء في قطر، وتعطل حركة الملاحة وتعرضها لخسائر بمليارات الدولارات لارتفاع التكلفة التشغيلية بسبب تغيير المسارات الجوية التي ستطول مسافاتها بالتأكيد، إضافة إلى أن مقاطعة دول الجوار ستتسبب في هبوط الإيرادات بما لا يقل عن 30%، وهذا عدا أن مطار الدوحة لن يكون محطة توقف لدى العديد من شركات الطيران العالمية، وهي خسائر إضافية سوف تنذر بتسريح الكثير من العاملين في المطار الذي أصبح ـ وفقاً للعديد من المقاطع المتداولة ـ خاوياً من المسافرين، كما أن انقضاء المهلة سيعجل باستبعاد قطر من مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعني إلغاء العديد من الامتيازات والاتفاقات بين دول المجلس وقطر، والمزيد من الخسائر مع الشركاء التجاريين الذين سيخيرون ما بين قطر ودول الجوار.


كما أن استمرار المقاطعة سيفضي حتماً إلى خسارة قطر تنظيم كأس العالم 2022 الذي بدأت بوادره مع ما ستكشف عنه الفيفا خلال الأيام القادمة؛ إذ ستنطلق الشرارة الأولى بتقرير غارسيا الذي سيكشف عنه خلال أيام، هذا إضافة إلى ما تواجهه قطر حالياً من عراقيل مع العمالة الوافدة في مجال إنشاء وتطوير المنشآت الرياضية في الدوحة، وهو الأمر الذي يقلق الجهات الرياضية نتيجة الضغوطات التي تتلقاها من منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن ما يتعرض له العاملون على إنشاء الملاعب الرياضية لا يراعي حقوقهم ولا يحافظ على كرامتهم كبشر، فهم لا يحصلون على أدنى حقوقهم الإنسانية؛ إذ وثق تقرير منظمة حقوق الإنسان أوجه الاستغلال المنتشرة من أصحاب العمل للعمال والإساءة إليهم، وهذه المشاريع ستواجه أحد أمرين خلال مرحلة ما بعد المهلة، فإما ارتفاع التكلفة لعدة أضعاف بسبب ارتفاع التكلفة المعيشية ومواد البناء، أو خروج العمالة وتوقف المشاريع.

الأخطر من هذا، هو تبعات الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي القطرية؛ مع وجود ولاءات خارجية من جماعة الإخوان وتنظيمات الإسلام الحركي المقيمة في قطر والتي تغلغلت في مؤسسات الدولة القطرية خلال العقدين الماضيين، ووجود هذه القوات هو مرحلة متقدمة وخطيرة تمهد لعودة الوصاية الأجنبية على الأراضي القطرية.

لا شك أن قطر تسير نحو المجهول وفي الاتجاه الخاطئ، وسيدفع المواطن القطري البسيط ثمناً باهظاً لهذه السياسات الرعناء التي انتهجها صانع القرار؛ لأن المؤكد أن قطر في مرحلة ما بعد المهلة ستعيش واقعا مؤلماً، وعلى أقل تقدير لن تكون هناك سوى سلبيات أكثر وخسائر أكبر تشكل تهديداً لبقاء هذا الكيان.