-A +A
حسام الشيخ (جدة) hussamalshikh@
بين مطرقة قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وسندان التحالفات الفاشلة، تعيش قطر أزمة حقيقية، بسبب سياساتها المهددة للأمن القومي العربي والاستقرار الإقليمي، وذلك بدعمها وتمويلها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وإيوائها للمطلوبين أمنيًا، وإثارتها للفتن الطائفية والاضطرابات، وتدخلاتها الأمنية والإعلامية في شؤون الدول الخليجية والعربية، لاسيما في البحرين ومصر والعراق وسورية وليبيا واليمن، وغيرها، فهل تحتكم لصوت العقل؟ أم ستختار السقوط إلى الهاوية!

فالتوصيف المنطقي للوضع الحالي في قطر حاليا لا يخرج عن أنه ورطة تاريخية أصابت النظام بالتوتر والتخبط في سياساته ومواقفه وصولاً إلى استقوائه بالخارج، واستجداء تعاطف الشعوب بادعاءات باطلة، وترويج أكاذيب لا حد لها، عبر قنواته الإعلامية ومنصاته الرقمية، التي لم تنجح في دحض الأدلة الدامغة والوثائق المؤكدة على تورطه في دعم التطرف والإرهاب، وتآمره على أمن واستقرار دول الخليج، وآخرها المكالمات الهاتفية المسربة لمستشار أمير قطر مع أحد الإرهابيين في البحرين إبان أحداث عام 2011.


وقد تفاقمت أزمة قطر على مستويات عدة، خصوصا الصعيد السياسي، ما أثر سلبا على سمعة النظام في ظل التضامن العربي والإسلامي مع القرارات السيادية الخليجية والعربية، والتفهم الدولي لها، والتي جاءت بعد استنفاد كافة الجهود لثني الدوحة عن تجاوزاتها وإضرارها بمسيرة العمل الخليجي والعربي المشترك، وبعد نكثها للعهود تلو الأخرى، وانتهاكها للمواثيق والاتفاقيات الخليجية والعربية والدولية، وآخرها اتفاق الرياض 2014، والبيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض في 21 مايو 2017 لمكافحة الإرهاب.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن قطر تواجه أزمة مضاعفة، في ظل المخاطر المتنوعة الناتجة عن قطع العديد من الدول العلاقات وإغلاق الحدود معها، وما أدى إليه من تداعيات سلبية على أنشطة الطيران المدني والسياحة وحركة التجارة الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وأثرها المباشر على خفض التصنيف الائتماني للدولة ومؤسساتها، وتراجع قيمة العملة بل ومنع صرفها من عدد كبير من البنوك والمصارف الدولية، ناهيك عن الأداء المتدني للبورصة، واضطرار الحكومة إلى السحب من أرصدتها وصناديقها السيادية لتعويض نقص السيولة النقدية، فضلاً عن آثار المقاطعة الواضحة على قطاع الإنشاءات، التي ستنال بالتأكيد من قدرة قطر على تنظيم واستضافة فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022، في وقت يعتمد فيه استيرادها العديد من المؤن ومواد البناء على الشاحنات القادمة عبر حدود المملكة.

ولا شك أن الأزمة العميقة بأبعادها السياسية والاقتصادية، هي رد فعل لأفعال قطر المخزية، ما سيلقي بظلاله على المواطن القطري والشارع القطري على حد سواء، فيما توقع مراقبون أن تشهد قطر خلال الفترة القادمة تناميًا في الغضب الشعبي والمعارضة الوطنية لهذه الممارسات غير المجدية للنظام الحاكم نتيجة تبديد ثروات الشعب وأموال أجياله القادمة في سبيل دعم وتمويل التطرف والإرهاب، والإساءة لعلاقات البلاد بأشقائها في المنطقة، والإضرار بمصالح الشعب الاقتصادية وعلاقاته الاجتماعية مع أسره وإخوانه في دول الجوار الخليجي.

وبدلا من استجابة قطر للمطالب الـ13، ومحاولة إعادة بناء الثقة في إطار البيت الخليجي الواحد، والحرص على مصلحة الشعب وموارده الوطنية، لا يزال النظام القطري محاصرًا نفسه بين مطرقة الأزمة الداخلية بأبعادها المختلفة وسندان التوجه نحو «تدويل» الأزمة، أملا في الهروب من مأزق قطع العلاقات الذي تسبب فيه برعونته، وما زال يصر على التمادي فيه عبر التعاون مع إيران ورفع مستوى التعاون والتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني تارة، وتوتير الأجواء في الخليج دون مبرر تارة أخرى، والمتاجرة بالقضايا الإنسانية دون وجه حق تارة ثالثة، والرهان بشكل غير مدروس على كسب مزيد من الوقت الذي لن يزيد الأزمة إلا تعقيدًا، كما سيكلفه المزيد من الخسائر التي لا حصر لها.

ويؤكد المراقبون أن الأزمة القطرية مع أشقائها مرشحة للتفاقم، ما سيعمق عزلتها في محيطها الإقليمي والدولي، ما لم يرتدع النظام القطري، ويحتكم إلى لغة الحكمة والعقل، التي ربما يفقدها. كما طالبوا قطر بالتراجع عن مواقفها المناهضة للإجماع الخليجي والعربي، والتخلي عن سياسة الخداع والمكابرة والازدواجية والمراوغة. لتدرك بما لا يدع مجالا للشك، خصوصية العلاقات التاريخية بين الشعوب الشقيقة، خصوصا في إطار مجلس التعاون الخليجي، القادر على إحباط أي مخططات تخريبية، باعتباره التحالف الأقوى والأبقى من التحالفات الخارجية التي ستكون وبالا على أمن واستقرار دول المنطقة وشعوبها.