-A +A
أسماء بوزيان (باريس)
قال رئيس مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل، إن عمليات الإعدام التي نفذها النظام الإيراني "الجزار" وذهب ضحيتها آلاف السجناء الإيرانيين عام 1988 ما تزال أصداؤها تتردد، وستبقى لعنة أبدية على هذا النظام وقياداته، وهي تثبت أنهم مجرمو حرب يجب أن يقدموا للمحاكمة في محكمة الجنايات الدولية.

وأشار الفيصل خلال كلمته في مؤتمر المعارضة الإيرانية اليوم (السبت) في باريس، إلى إن الضحية الأولى للخميني وأتباعه هو الشعب الإيراني الذي ذاق ويلات أفكاره المريضة، وما زال يئن تحت وطأة هذه الأفكار في نظام ولاية الفقيه، ولقد باتت ولاية الفقيه بحاجة إلى أزمات متواصلة لكي تبقى وتعيش.


ولفت الفيصل في كلمته إلى حرص خليفة الخميني على وجود ميليشيات رديفة لجيوش العواصم التي تهيمن عليها قوات الحرس الثوري، كالحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والميليشيات في سورية والعراق، وإخضاعها للتجربة الإيرانية مع الحرس الثوري، فتصبح خيوطا في أصابع الولي الفقيه الذي منحه الدستور الإيراني الذي خلفه الخميني الصلاحيات المطلقة.

وخاطب الفيصل معارضي نظام ولاية الفقيه بمشروعية سعيهم لمواجهته، مؤكدا على وجوب ما يقومون به من جهاد لتخليص الشعب الإيراني بكافة أطيافه عربا وكردا وبلوشا وآذريين وفرسا كما قالت السيدة مريم رجوي من ظلم ولاية الفقيه، وقال لهم "على بركة الله سيروا وسدد الله خطاكم وتحية إجلال لشهداء ضحايا الخميني وخليفته".

وسرد الفيصل حكاية توضح تناقض المبادئ لدى الخميني، ومن ذلك عندما كان يعيش في النجف ويشاركه زميل له أحد الدارسين في الحوزة الدينية هناك وقد ملأ البعوض فضاء الغرفة، فعندما اقترح زميل الخميني أن يأتي بالمبيد الحشري للقضاء على البعوض، تلبّس الخميني حالة صوفية وورعا مصطنعا، فرفض الفكرة وقال إنها أرواح مخلوقة لا يجب أن نتحمل قتلها، فاستعمل عباءته لطردها، وبعد السلطة وممارسة الإعدامات في السجون من بقية المعارضين ذكره زميله بورعه مع البعوض وخشيته من إزهاق الأرواح، فأجابه الخميني بأنهم أعداء الإسلام، ومصيرهم القتل.

وفي ما يلي نص كلمة الأمير تركي الفيصل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

السيدة مريم رجوي

دولة الرئيس أحمد الغزالي

أيها السيدات والسادة

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

يشرفني أن أشكر لكم دعوتكم لي مرة أخرى للمشاركة في اجتماعكم السنوي، هذا المنتدى الذي يلتقي فيه أبناء إيران، الذين تركوا إيران من ظلم حكم ولاية الفقيه، مع ممثلين من كثير من دول العالم التي عانت من إرهاب هذه الحكومة التي هي أكبر راع للإرهاب. إن هذا اللقاء هو لتذكير العالم بجرائم هذا النظام ضد مواطنيه وضد جيرانه وتهديده للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.

أيها الأخوات والإخوة

ذكرت لكم في اللقاء بكم في العام الماضي أن ما يجمعنا بكم ليس فقط الجغرافيا، وإنما تجمعنا بكم أواصر العلاقات الإنسانية، فهناك قبائل عربية استوطنت في بلاد فارس، امتزجت أسريا بكم، وهناك جموع فارسية قدمت للحج وانصهرت بنا وصاهرتنا، وتجمعنا أيضا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما يجمعنا بكم إرث تاريخي ساهم في رقي الحضارة الإنسانية، فقد كانت دول مجلس التعاون وجارتها إيران تعيش في حالة تعايش حتى جاءت ثورة الخميني في عام 1979 وتبدلت الأحوال من تعايش مشترك، رغم وجود بعض الاختلافات، إلى سعي الخميني وأتباعه إلى استبدال منطق التعايش بصدام، وما عرف بسياسات تصدير الثورة، حيث تم استبدال منطق الدولة بمنطق الثورة، الذي يخفي وراءه رغبة توسعية جامحة، وبات من الصعب إذا لم يكن من المستحيل أن نتفاهم بمنطق الثورة والانقلاب لا بمنطق السياسة والدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتثوير الجماعات، وأصبحت الإستراتيجية الخارجية لقيادة ولاية الفقيه هي إحلال فكرة الانقلاب والاضطراب على فكرة الاستقرار.

عاش الخميني خارج بلاده بين 1963 و1979 بسبب وضعه السياسي وروح التحزب الذي لايختلف فيه عن سائر جماعات الإسلام السياسي ذات الروح الانقلابية والرغبة في الانفصال عن جسد الدولة، وهناك في النجف عاش ليبث تعاليمه الثورية التي جمعها في كتاب عنوانه "الحكومة الإسلامية" شاهرا فيها فكرة ولاية الفقيه على الأمة.

أيها الإخوة والأخوات

لقد رفض كبار المراجع الشيعة هذه الفكرة، وبينوا أن فكرة الخميني تتعارض مع ثوابت فقهاء الشيعة الإمامية، سواء كان ذلك في إيران حيث المرجعية والحوزة الشيعية في مدينة قم، أو في العراق حيث المرجعية والحوزة الدينية في النجف، وأينما وجدت المراجع الجعفرية.

من الحكايات عن الخميني إبان معيشته في النجف حين كان يشاركه الغرفة أحد الدارسين في الحوزة الدينية هناك وقد ملأ البعوض فضاء الغرفة، اقترح زميل الخميني أن يأتي بالمبيد الحشري للقضاء على البعوض لكن الخميني تلبّس حالة صوفية وورعا مصطنعا كان يعيشه قبل الثورة، فرفض الفكرة وقال إنها أرواح مخلوقة لا يجب أن نتحمل قتلها، فاستعمل عباءته لطردها من فضاء الغرفة، وبعد السلطة وممارسة الإعدامات في السجون من بقية المعارضين ممن ساهموا في الثورة وتذكر لهم وفقهائه، كان ذلك الزميل على مقربة منه، فذكره بما حصل مع البعوض في تلك الأيام وكيف كان يخشى من قتل الحشرة، وهاهي الثورة تقتل البشر، فأجابه الخميني قائلا إنهم أعداء الإسلام، أي من يعارض أو يختلف مع الخميني يحسب عدوا للإسلام خائنا ومصيره القتل. ولم يكن الخميني أثناء وجوده في النجف قبل الثورة مرحبا به كثيرا من أولئك المراجع، وقصة المناظرة بينه وبين المرجع محسن الحكيم مشهورة، حيث حثه الحكيم أن يروج لمبادئ‌ الإمام الحسين فرد عليه الحكيم وما بال الإمام الحسن الذي كان مسالما ولا يدعو إلى القتال.

هذا شاهد على الاختلاف بين فقهاء الشيعة على مسألة ولاية الفقيه المطلقة وعلى الثورة، والشاهد الآخر أن الخميني بعد وصوله إلى سدة الحكم أخذ أتباعه يجمعون له المقلدين على حساب الكبار في مذهب إيماني كي تجتمع بيده ولاية الفقيه وولاية المذهب، فأخذ بالتضييق على المراجع وعلى المرجع بالذات محمد كاظم شريعتمداري الذي يعود له الفضل بإنقاذ الخميني من الإعدام في عهد الشاه عندما أشار إليه برتبة آية الله، وهي منزلة لا يعدم صاحبها حسب القانون الإيراني آنذاك. إلا أن شريعتمداري لم يوافق على تسمية الجمهورية بالإسلامية، أما في العراق فكان المرجع أبوالقاسم الخوئي، وهو الآخر لا يشجع على إقحام الدين والمذهب في السياسة، ولم يكن مع فكرة ولاية الفقيه.

ما جرى بعد ذلك هو أن قام الخميني بسلطته المتصاعدة بإهانة شريعتمداري وأقفلت مدرسته ومكتبته واعتقل في داره حتى وفاته عام 1985. ومنعوا صهره من الصلاة عليه ولا يُعرف له قبر. وتفاصيل ما تعرض له هذا المرجع الكبير من السجن والإهانة رصدها تلميذه رضا صدر في كتابه "في سجن ولاية الفقيه". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل مما شاع ذكره في تلك الأيام أن أنصار الخميني يطوفون بالحمير واضعين على رؤوسها صور المرجعين شريعتمداري والخوئي للإيغال في الإهانة كجزء من الإستراتيجية الثورية التي سار عليها الخميني وأنصاره، والتي لم ينج منها أحد.

وألغى الخميني ألقابه أو الألقاب التي تمنح إلى رجال الدين. وتقمص شخصية الإمام، حتى الإمام لم يسلم من الخميني. وضع نفسه نائبا للإمام وأضيف إليه لقب «رهبر» ثم المرشد وغيرها من الألقاب. وما إن وصل الخميني إلى طهران حتى انقلب على جميع حلفائه من مختلف تيارات الشعب الإيراني، الذين هم الذين قاموا بالثورة، واضطهدهم بالسجن والاغتيال والإعدام. وكنتم أنتم أول من طعنه الخميني في الظهر. وعلى جانب آخر، تم اختيار خلخالي رئيسا للمحكمة والقضاء وأخذ بنفسه الثوري الذي اقتبسه من الخميني بإعدام المخالفين على الشبهة وقد شاعت كلمته الشهيرة في تبرير قتل الأبرياء حينما قال: المجرم أخذ عقابه والبريء يدخل الجنة.

لقد وعد الخميني الإيرانيين بالديموقراطية، ويتشدق النظام اليوم بأنه عقد انتخابات فما معنى هذه الانتخابات التي لا يدخلها إلا من يزكيه الولي الفقيه، ثم إن أي انتخابات لا تعتبر شهادة حسن سيرة وسلوك، فكل الأنظمة الشمولية مثل الفاشية والشيوعية تعقد انتخابات، ولنا العبرة في أن سفاحي دماء القرن الماضي، هتلر وموسوليني وإستالين كلهم تشدقوا بانتخاباتهم. إن سلوك النظام في طهران لا يؤهله أن يكون نظاما ديموقراطيا، بل إن سلوكه هو سلوك دموي ودكتاتوري. أما عمليات الإعدام التي نفذها الجزار النظام الإيراني وذهب ضحيتها آلاف السجناء الإيرانيين عام 1988 فما تزال أصداؤها تتردد وستبقى لعنة أبدية على هذا النظام وقياداته، وهي تثبت أنهم مجرمو حرب يجب أن يقدموا للمحاكمة في محكمة الجنايات الدولية.

إن الضحية الأولى للخميني وأتباعه هو الشعب الإيراني الذي أذاقه ويلات أفكاره المريضة، وما زال يئن تحت وطأة هذه الأفكار في نظام ولاية الفقيه، ولقد باتت ولاية الفقيه بحاجة إلى أزمات متواصلة لكي تبقى وتعيش، ولذلك حرص خليفة الخميني على وجود ميليشيات رديفة لجيوش العواصم التي تهيمن عليها قوات الحرس الثوري كالحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والميليشيات في سورية والعراق، وإخضاعها للتجربة الإيرانية مع الحرس الثوري فتصبح خيوطا في أصابع الولي الفقيه الذي منحه الدستور الإيراني الذي خلفه الخميني الصلاحيات المطلقة.

أيها الأخوات والإخوة

إن مسعاكم لمواجهة هذا النظام مشروعا وجهادكم لتخليص الشعب الإيراني بكافة أطيافه عربا وكردا وبلوشا وآذريين وفرسا كما قالت السيدة مريم رجوي من ظلم ولاية الفقيه مطلوبا، فعلى بركة الله سيروا وسدد الله خطاكم، وتحية إجلال لشهداء ضحايا الخميني وخليفته ليس فقط في العراق وسورية والجزيرة العربية، بل أينما قتلوا في شتى أنحاء العالم، ولكن أولا وآخرا، لشهداء الشعب الإيراني العظيم. وشكرا.. شكرا.