-A +A
عزيزة المانع
لا أدري إن كانت الحياة المعاصرة حقا باتت أشد مشقة وقسوة من قرون مضت، أم أننا يخيل لنا ذلك؟ ما أدريه أن الشاكين والمتذمرين من قسوة الحياة وظلمها كثيرون، وأن أعداد المحبطين الذين يعانون الشقاء والتعاسة لا يمكن حصرها.

من المسلم به أن مطالب الحياة اليوم أكثر بكثير من قبل، فالمنافسة قوية في كل المجالات، ومن لا يتسلح لها بأسلحتها، أو من تخذله ظروفه فلا تمكنه من ذلك، سرعان ما يقع نهبا لتراكم المشكلات وتتالي الخيبات، فيصاب بضغوط نفسية مؤلمة تدفع به إلى قاع بئر عميقة من التوتر والاكتئاب والانطواء، وتظلم الدنيا أمامه حتى ما يعود يرى فيها ما يستحق الابتهاج.


ولعل هذا يفسر لنا كثرة ما يقابلنا من الوجوه الكالحة، التي أطفأ نورها ما تختزنه داخلها من مشاعر الفشل وألم العثرات والإحساس بالظلم والأذى.

في مثل هذه الحالات، ما يتوقع هو أن يلجأ أولئك المتعبون بهمومهم إلى أطباء الصحة النفسية وخبراء علم النفس، يطلبون منهم النصيحة والعون على التغلب على ما أنهكهم حمله من مشكلات.

لكن الواقع غير ذلك، فمن المفارقات المؤسفة، أن أغلب الناس يأنفون من زيارة الطبيب النفسي متى أصابهم الضيق والاكتئاب واستحالت حياتهم إلى سواد، لكنهم لا يأنفون من نسبة ما يحسون به من متاعب نفسية إلى السحر، أو تلبس الجن، أو الإصابة بالعين، وقد يبادرون إلى طلب مساعدة مشعوذ من الدجالين يستتر تحت لقب (شيخ) ويزعم قدرته على طرد الجن وفك السحر والعين.

أمثال هؤلاء لا يجدون حرجا في ذلك على الإطلاق، لكنهم يجدون حرجا كل الحرج، في أن يعترفوا بحاجتهم إلى مساعدة طبيب نفسي يعينهم على تجاوز حالتهم تلك! انظر إلى أعداد الواقفين بأبواب أطباء النفس، وأعداد الواقفين بأبواب الدجالين والمحتالين من المشعوذين ومدعي الرقية وفك السحر! ما الذي يجعل الاعتراف بالوقوع ضحية السحر، أو تلبس الجن، أو الإصابة بالعين، أهون على كثير من الناس، من الاعتراف بالوقوع ضحية آلام الحياة وضغوطها؟ لم يخجل الناس من القول إنهم يعانون من اختلال في الهرمونات يسبب لهم الاكتئاب أو حب العزلة أو كراهية مواجهة الناس أو غير ذلك، ولا يخجلون من القول إنهم محكومون بجني يسير سلوكهم ويتحكم في تصرفاتهم، أو مقيدون بسحر يحد من قدراتهم ويتحكم في مشاعرهم ؟