-A +A
محمد الساعد
بنهار يوم أمس (الأربعاء) يكون وزير الخارجية الأمريكي الحالي ريكس تيلرسون، قد وصل إلى جدة حيث مقر الحكومة السعودية الصيفي، لإجراء مباحثات هي الأهم في تاريخ منطقة الخليج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تيلرسون القادم للخارجية من شركة نفط وغاز كبرى، أرسل كثيرا من الإشارات، فهم منها رغبته في محاولة تعويم النظام القطري المتهم بالإرهاب، وإعطائه منافذ للهروب من أزمته ومن مواجهة مصيره المحتوم.


السؤال هنا.. هل يرى الرئيس التنفيذي السابق لشركة اكسون موبيل ريكس تيلرسون، «قطر» كبئر نفط ومصفاة غاز، أم دولة تستحق الاحترام ويمكن الوثوق بها وبما تحمله من مشاريع، في ظني أنه يراها مجرد أنبوب غاز، يمكن التحكم به بثمن بخس للسيطرة على سوق الطاقة، ومن خلاله يمكن تمويل المصالح الأمريكية، خاصة مشاريع وزارة الخارجية الأمريكية حول العالم.

وبغض النظر عن نتيجة الزيارة للسعودية ومصر والإمارات والبحرين، وهي الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فالرسالة التي بعثت بها الأزمة التي حضر من أجلها وزراء خارجية أمريكا وألمانيا وبريطانيا تقول: إن الإقليم لن يعود لتلقي ضربات الإرهاب، وهو في طريقه للتشكل من جديد بعد أن هدت جدرانه معاول «الخريف العربي» وأموال الغاز الحرام القادمة من بنك قطر المركزي.

الرياض الجديدة التي تقود هذا المشروع، تقول للصديق وللعدو في آن معا، إنها عنقاء هذا الزمان، كلما ظن الغزاة والمتآمرون وخونة الداخل والخارج أنهم قضوا عليها أو في الطريق لوأدها، إذا بها تعود من جديد كأقوى من قبل وسيف أمضى من سابقيه.

وهي على مدى تاريخها تتعرض للحروب والمؤامرات والخيانات، إلا أنها جعلت مبدأها، كما قال الملك عبدالعزيز رحمه الله، ألا تبدأ بالعدوان، بل تصبر عليه وتطيل الصبر، حتى إذا لم يبق للصبر مكان، ضربت ضربتها وكانت القاضية.

هذا المشروع السياسي والأمني والاقتصادي والجغرافي هو الأول من نوعه منذ عقود هي جزء من تاريخ المكائد القطرية في المنطقة، كمقاول سيئ السمعة تمادى في تمرير مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.

«التشكل» لا يسعى للتمدد أو تغيير معالم الإقليم، بل يهدف أولا للقضاء على الإرهاب، ثانيا إبقاء الإقليم حوضا عربيا خالصا والانتهاء من الاحتلالات الإيرانية والتركية لأجزاء منه، ثالثا إعادة تأهيل الدول الفاشلة التي أغرقتها الفوضى.

المهم هنا أن قطر لم تدرك أن رياح التغيير التي ساهمت في إذكائها، ستعود شرورها إليها، وهذا ليس خطابا تعبويا ولا رومانسيا، فنظام الدوحة هو نظام إرهابي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وسيذوق من نفس كأس السم الذي جرعه لغيره.

إنها حتمية التاريخ، وسداد الديون، مهما هربت قطر للأمام، وحاولت تدويل أزمتها، أو استقدام جنود الباسيج الإيراني والجندرمة التركي، فإن النار ستطال ثيابها الباذخة.

من راقب سلوك الدوحة خلال عمر الأزمة الأخيرة، يجد أن الرياض وأبوظبي والمنامة تعرضت لسيل هائل من الأكاذيب والدعاية المضللة، تقودها منصات إعلام عزمي بشارة، كما تعرضت السعودية ومصر بالذات لعمليات إرهابية تجاوزت العشرة في القطيف والعوامية ومكة المكرمة وسيناء وبعض المدن المصرية، ونحن نعلم تماما من أصدر الأوامر بشنها لتخفيف الضغوط عن الدوحة.

ما حصل خلال الشهرين الماضيين كان بلا شك إعادة تموضع «جيوسياسي»، سيسفر عن صعود عواصم حقيقية، وانزلاق الدوحة نحو موقعها الطبيعي بعدما تضخمت وتورمت بلا سبب منطقي.

تقول السياسة منذ اكثر من ثلاثمئة عام إن القاهرة والرياض إذا ازدهرتا خبا نجم طهران وإسطنبول، وإن الصراع في أساسه هو صراع بين العرب وجيرانهم العجم، أي بين دولتين تقف على تخوم العالم العربي محاولة اقتحامه، ودول تقف ضد المشروع الإمبريالي التركي الإيراني الذي يمني نفسه باستعادة نفوذه واحتلاله للأراضي العربية، ولكن هذه المرة بخيانة من قطر وجماعات الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني.

لقد كان الصراع طوال الثمانينات الميلادية يقف على الحدود الشرقية العراقية الإيرانية، وبمحاذاة ديار بكر على الحدود التركية العراقية شمالا، اليوم يبدو المشهد مختلفا تماما، فالتصدي لمشروع الاحتلال الجديد انتقل إلى جبال صعدة وسورية ولبنان وسيناء وأخيرا قطر.