-A +A
فؤاد مصطفى عزب
استيقظت محطماً حوالى الواحدة بعد منتصف الليل على رنين الهاتف لم تكن لدي رغبة في رفع السماعة لكنني استيقظت أخيراً ونهضت بصعوبة وأنا أحس بألم في عمودي الفقري كان على الطرف الآخر «سارتين» الذي كان على ما يبدو على موعد غير مسبق مع طزة في القلب قليلون الذين يضربون مواعيد مع طزات قلوبهم كان يحدثني حديث من انتقل قلبه فجاءة من الضفة الأخرى من نهر الصحة إلى موقع شح فيه التنفس أو كاد.. و«سارتين» صديق لي منذ أكثر من عشرين عاماً خل وفي في زمن العنقاء وطفل كهل أعزب رغم أنه تجاوز الستين بكثير.. من أولئك المثقفين ذوي الوعي الصحي الملغى.. يحب الناس على طريقة فيروز «بكبر البحر وبعد السماء» توليفة فاخرة من الإنسانية لايعرف الكذب بغض النظر عن لونه.. ليس في حياته كذبة بيضاء وكذبة أقل بياضاً.. رجل يؤمن بعناق الحضارات أهتم بتنمية كل شيء في حياته عدا صحته.. قلبه ارجواني بلون شمس «بارك فيل» الغاربة يأتي إلينا في أيام نهاية الأسبوع مبكراً كالعصافير حاملاً الدونات والقهوة.. رجل مشرق يتمتع بروح شبابية مبهرة يتحدى بها دائماً شعره الأبيض واعوام عمره التي تدور في حلقاتها السابعة لايوجد احد لايعرفه فهو في كل مكان وفي كل وقت.. رجل بسيط يعيش نهاره بكفالة ليله.. اصطحبت زوجتي وابني ريان وذهبنا «بسارتين» للمستشفى فقد كان لدي شعور بأن حالته ستنتهي بعملية قلب مفتوح، التقط الجراح يدي الممدودة للسلام وسحبني لخارج الغرفة وهو يقول سنجري العملية حالاً دهشت للبساطة التي تحدث بها بعد ذلك للمريض وخلو حديثه من اي تعقيدات طبية لغوية وما أن جاء أحد الممرضين يدفع «بسارتين» في سرير متحرك حتى اتى إلينا شخص مد يده مصافحاً وبدأ يقدم نفسه بتؤدة واشار لوظيفته كونه «سفير المستشفى الصحي» واوضح لنا ان طبيعة عمله إزالة الحيرة عن أهل المريض من غير المتخصصين وإعلامهم بحالته اولاً بأول وما ان دخل «سارتين» غرفة العمليات حتى اقتادنا وبتهذيب ياباني إلى حجرة تطل على حديقة جميلة ثم اشار وعلى فمه ابتسامة مشجعة إلى تلفونين ذَوَيْ لونين مختلفين اوضح لنا ان التلفون الأحمر عندما يرن يعني ان غرفة العمليات لديها معلومة ترغب إبلاغكم بها اما التلفون الأخضر فهو بغرض استخدامنا الذاتي للاتصال بمن نرغب في الخارج لتطمينه عن حالة المريض.. واستمر التلفون يقرع وتنهمر منه المعلومات الطازجة عن سير العملية ولاتنتهي حتى وصل «سارتين» لمنطقة الإقامة الحرجة ومع اقتراب موعد رجوع «سارتين» لهذه المنطقة تحدث معنا الجراح بلباقة مصرحاً لنا بالخبر السعيد وانتهاء العملية بالكامل كان «السفير الصحي» مثل «الديدبان» فمنذ بداية دخول «سارتين» وهويدور في كل مكان بلا كلل وقف بجانبنا وانتزع عنا الفزع وكانت الأخبار الإضافية التي تأتي منه أكبر من المكان وكان وجوده الدائم بين الحين والآخر يطفئ عطش السؤال فهو كان يتحدث كثيراً ويعلمنا بكل ما نود معرفته ولقد فوجئت بغزارة معرفته عن تفاصيل وإجراءات العملية ولقد اظهر لنا ذلك الرجل اهتماماً لم اعهده كان يسمعنا بإهتمام وحميمية وهذه عندي أجمل طريقة في السمع.. كان يشعرنا وهو ينصت إلينا أن كلامنا ليس سطحياً أو غير مهم وأنه يقع منا على أرض طيبة كأنه يشرب كلامنا.. وعندما قررنا مغادرة المستشفى رافقنا ببشاشة احتوتنا وأحسسنا بسخونة مشاعره رغم الطقس البارد حشرت بعد ذلك جسدي المثقل بعذاب روحي في سيارتي كيفما اتفق وانطلقت أقودها عبر الطريق السريع متجهاً إلى بيتي وبدون وعي مني بدأت اردد بصوت متهاوٍ أخذ في الخفوت وانا ازفر ألماً وحسرة لماذا تصر بعض مستشفيات العالم الثالث على معاملة اهل المريض كالزوج الذي يجب ان يكون آخر من يعلم !! وقطع حبل تفكيري مؤشر السرعة حيث نبهني أنني أسرعت اكثر مما يجب !!