-A +A
عزيزة المانع
بما أنه لم يبق أحد لم يشغله حديث الأسهم، ولم يبق أحد من غير أن يملك سهماً هنا أو هناك بمن فيهم الصغار الذين باتت أخبار الأسهم تنافس عندهم أحداث ستار أكاديمي وألعاب البلاي ستيشن وأخبار الكرة وغيرها من الملهيات، فقد قررت أن أخوض أنا أيضاً تجربة الحديث حول الأسهم، لكني لن أتحدث عن عمليات التصحيح أو توقعات الارتداد أو صواب قرارات الهيئة أو ضلالها، فهذه كلها لا أفقه فيها شيئاً، سأتحدث عما أظن نفسي تفقه ولو قدراً بسيطاً منه، وهو واقع حال النساء في عالم الأسهم.
قالت لي صديقة لي: ما أعجب أمري مع هذه الأسهم، فبمجرد أن أبيع أسهمي يتحرك السوق وتصعد الأسعار، وبمجرد ما أشتري تشل حركة السوق فتهبط الأسعار، وكان آخر ما حدث لي هو أني بعت ما أملك من أسهم بسعر بخس وبعضها بعته بخسارة وذلك بعد أن شاع خبر هبوط السوق وإقبالها على حركة تصحيح عظمى، لكني كالعادة ما إن بعت حتى أخذت الأسعار تتصاعد محلقة تحليقاً يسيل له لعاب المضاربين واستمر التحليق لأيام قليلة قبل أن تهبط مرة أخرى لتطحن القلوب طحناً. ولم يكن أمامي آنذاك مفر من أن أنزوي في مكاني أرقب ذلك الصعود بحسرة المحروم بعد أن فرطت فيما كان في يدي من أسهم صاعدة حتى كاد الكمد يقضي علي، ونقمت على نفسي كيف أن تلك الأموال كانت في قبضة يدي فأسقطتها منها بقراري الجبان!

قلت لها أهوّن عليها: لا يضيق صدرك، فلست وحدك في هذا إن لك أشباهاً ونظائر كثراً، فمثلكم مثل ذلك الشاعر الذي أظنه كان هو أيضاً في مثل قاربكم حين قال:
ما أقبح الخير تعطاه فتحرمه
قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
يا صديقتي العزيزة، لا يغرنك ارتفاع الرصيد في المحفظة فما هو إلا كعصافير متناثرة فوق الشجر، أو إن شئت ما هو إلا قبض الريح، ينام المضارب وهو مليونير وقد يستيقظ وهو والصفر صنوان.
لكن دعينا ننظر إلى فوائد أخرى لعلنا نجنيها من هذه الأسهم. ألا ترين أن الانشغال بالأسهم أدخل إلى حياة الناس مذاقاً جديداً مختلفاً فألهاهم عن التفكير في أمور أخرى كانوا يرونها تنغص عيشهم. لقد سمعت امرأة تقول الحمد لله فبفضل الانشغال بالحديث عن الأسهم لم نعد نتحدث عن الناس فنجونا من الوقوع في إثم الغيبة والنميمة والنهش من لحم بعضنا البعض، وسمعت أخرى تقول الحمد لله لقد أراحني الانشغال في الأسهم من التفكير في مشاكل الخدم والسواقين ومتابعة خلافاتهم وما يخلقونه من توتر وقلق في داخل البيت. وسمعت شابة حديثة التخرج تقول: الحمد لله لقد وجدت لي عملاً يشغل وقتي ويمدني بالمال فغنيت عن وزارة الخدمة المدنية واستجدائي وظيفة منها. وسمعت معلمة متقاعدة تقول الحمد لله «افتكيت من التدريس وأذاه، تقاعدت وتفرغت للأسهم». لكن شابة متحمسة ردت عليها الحمد لله الذي أشغلكن بالأسهم فتقاعدتن لتشغر الوظائف لنا نحن اللاتي مازلن ننتظر الدور على قائمة الانتظار.
إنها لعبة جميلة ومسلية، وإن كانت أشبه بألعاب (رولر كوستر) التي لا يقترب منها سوى الشجعان.