-A +A
فؤاد مصطفى عزب
الكتابة عن عبدالرحمن السدحان كتابة غير حيادية فعبدالرحمن واحد من عائلة القلب إنسان نقي طيب أسد نباتي وفارس مسربل بالحب ووردة في محيط يضج برائحة الملح يعزف على وتر منفرد من المشاعرويغمر من يعرفه بود مقيم.. مستودع فسيح من المعرفة ومخزون واسع لذاكرة لاتحتفظ إلا بالجميل وصورة خالدة للحب خالية من التجاعيد يجيد فن العشق الإنساني كلما تتحدث معه تجد أنه لازال في كلامه رائحة المطر التي تشعل في النفس ذلك الحنين الجارف إلى التوحد مع التربة في عناق لايصحو فيه الزمان.. في صوته رحلة نهر لايحدها سوى الماء على طول اربع قارات يتحدث إليك بوداعة قرية عسيرية ويتنفس الحب والصدق بأرستقراطية خشب عتيق من العود كتب «قطرات من سحائب الذكرى» عن زمان مختلط عاشه يجعلك توقف كل الساعات حتى تنتهي منه. كتب عبدالرحمن كما لم يقرأه أحد من قبل.. ورصد طفولته التي كانت أقسى من التين الشوكي واستمر ينقر على نوافذ الروح يسكب علينا العمر كله في قطرات عذبة تتعاقب على وجوهنا فنلعقها بطرف لساننا ونبتسم.. قطرات من الماء الدافئ لاتجود بها سوى سماء مملوءة بالعطر والضياء والصفاء لم يعد طقسنا الصحراوي الأدبي للأسف يأتي بها كثيراًَ يرسم لنا العالم الذي عاشه وبسرد خالٍ من العقد والانفعالات والتكلف يجعلك تندس في عبارات الشغف المتتالي مثل عصفور فاجأه المطر وهو يحلق بلا مظلة.. كل شيء كان غائباً في حياة عبدالرحمن عنا كتبه بحرية عارية إلا من عباءة حبر وسلم أصابعه إلى نهر الذكرى حيث الماء البارد وحده ينبت شجرة العمر، كنت أعتقد قبل أن أقرأ قطرات عبدالرحمن أن الكتابة عن النفس هي الداء الأكثر عسراً لأفاجأ بالسيرة كسبحة قطعت من فتيلها ما إن تشرع في قراءتها حتى تتحول إلى عداء في حقل مفتوح على اخضرار لايشيب تواصل المرحلة بالأخرى دون مجهود لتجد نفسك فجأة قد انتهيت من كامل الرواية المفعمة بأناشيد الحياة الغامضة كالصباح المعلن والواضحة كأحجية والحميمة كالروح. شكراً ياعبدالرحمن فقد جعلت للحبر قيمة تنفجر فوق ورق الأيام وأثبت أنك مخلوق فاشل في التخفي فقد صارحتنا في سيرتك بكم أنت جميل كالفرح وحقيقي كالدمع ونقي كالينابيع وكأننا لم نقرأ كل ذلك منذ زمن بعيد في ملامحك لقد تأخرت قطراتك طويلاً ولكنك انهمرت أخيرا غيمة ممطرة.
أعارك الله عمراً آخر مماثلاً لتقول لنا اكثر وتبقى زمن حب دائم كما أنت..