-A +A
عزيزة المانع
الفضيلة هي من الكلمات المعنوية العائمة التي يصعب على الناس الاتفاق على معنى واحد لها. ما هي الفضيلة؟ ما حدودها؟ لا احد يمكنه الاجابة اجابة وافية مقنعة لكل الناس، فقد اختلفت الآراء منذ القديم وإلى اليوم حول تحديد ما هو فاضل وما هو غيره، وذلك بحسب اختلاف العقول وما يكتنفها من انماط الافكار، مثلها في هذا مثل أية كلمة معنوية اخرى كالسعادة او الحرية. وعلى اية حال، مصطلح الفضيلة رنان وأخاذ، وفي الغالب تجد كل الناس يودون ان يقال عنهم انهم فاضلون، وان حراسة الفضيلة تهمهم، سواء اتفقوا فيما بينهم على معنى موحد للفضيلة ام لم يتفقوا.وقد استوقفتني فكرة وليدة تتصل بمسألة الدعوة الى الحفاظ على الفضيلة، تبناها رجل امريكي محافظ يطمح هو وفريق من المؤيدين لفكرته الى بناء مدينة فاضلة خالية من المنكرات والفسوق ليقيم فيها كل من يود ان يعيش في مجتمع فاضل نقي من الموبقات، فهذه المدينة المستحدثة لن يسمح فيها باقامة بارات او بيع مجلات العري، ولن يسمح فيها بتداول الاغاني المنحلة او افلام السينما الخليعة، كما سيكون فيها اشراف من المجتمع على مضمون التعليم لادخال تعليم القيم الاخلاقية الى المدارس، وغير ذلك من الضوابط التي يرى هذا الرجل والفريق المصاحب له انها كفيلة بالحفاظ على الاخلاق وتحقيق حياة اجتماعية فاضلة.المتبنون لهذه الفكرة يقولون انهم وجدوا ان المدن المعاصرة اليوم موبوءة بفيروسات الفساد وانتشار الانحلال الاخلاقي في كل مكان، وانهم يخشون على اولادهم من الاصابة بشيء من ذلك. فالمدن في الوقت الراهن ليست صالحة للسكنى بسبب ما فيها من تلوث اخلاقي وهي في حاجة الى تطهير مما هي مصابة به من آفات تدمر الفضيلة، ولانهم يدركون انهم لايستطيعون تطهير المدن مما فيها، اتجهوا الى بناء مدينة جديدة لم تصلها الاوبئة ولم تتلوث بالفيروسات، كي يضمنوا لأولادهم بيئة آمنة وصحيحة ينشأون فيها على قيم الفضائل السامية بعيدا عن فيروسات المدن المعاصرة، فينشأون وهم اصحاء البدن والروح.وهذه المدينة الفاضلة كما تحدث عنها صاحب الفكرة، هي وإن كانت ستعمل على اقامة سياج حول نفسها يقيها من اقتحام أية عدوى فيروسية تنتقل اليها من المدن الموبوءة، الا انها لن تغلق ابوابها في وجه الاخرين من الغرباء، بل انها ستشرع الابواب على مصاريعها لتستقبل كل من اراد زيارتها او الاقامة فيها من اي دين او مذهب او لون، الشرط الوحيد هو ان لايتسرب معه فيروس من فيروسات المدن الاخرى، وان يقبل ان يعيش في مدينتهم وفق الظروف البيئية والاخلاقية الموجودة فيها.وهذه الفكرة استوقفتني لا لأني رأيتها وسيلة صحيحة لدعم الفضيلة وانما لأني رأيتها تتيح لاولئك الذين لاتعجبهم الحياة وسط الفيروسات المنتشرة في المدن، تتيح لهم ان يعيشوا كما يهوون في مجتمع خاص بهم ينظمونه وفق افكارهم التي يحبونها، فيبيحون ما يشاءون ويحظرون ما يشاءون دون الدخول في منازعات مع الغير، فتتحقق لهم انذاك الراحة من مشقة الكفاح والصراع فيما بينهم وبين اصحاب الحياة الفيروسية فيريحون ويستريحون.