-A +A
فؤاد مصطفى عزب
أسكن في عمارة عند تقاطع شارع السلام مع شارع أحمد النسائي أعيش في حي مصاب بانقسام «سيكزوفرني» فهذا الحي له نصيب محترم من الملايين ونصيب من فقر لا حدود له انتقلت للسكن في هذه العمارة منذ أكثر من عشرة أعوام كان أصعب ما في أمر انتقالي لهذه الشقة انفصالي عن العديد من الجيران الذين ارتبطت بهم بشدة حتى أصبحوا جزءاً مكملاً لعائلتي.. شقتي التي أقيم فيها تطل على البحر من جهة ومن جهة أخرى تطل على قصور ومجمعات سكنية أنيقة محاطة بأشجار الفيكس والنخيل وتغطي أغصان الجهنمية أسوارها المرتفعة حتى تكاد تلامس الأرض.. أصحو كل يوم مبكراً على صوت أذان الفجر العذب تسحبني طلاوة الأداء للنهوض لأداء فريضة الفجر أهبط من منزلي أقطع الشارع لأذهب للمسجد الرابض على الكورنيش بجلال راسخ.. أمشي ببطء، جدة غافية فوق سكانها والشوارع فارغة إلا من عجلات سيارات تمضي بسرعة وتغيب أمرّ بحوائط عالية أحاول العثور على البحر من خلفها أمرّ بفيلات مهجورة تفوح منها رائحة عز إرث مختبئ.. مهملة.. بواباتها علاها الصدأ وأمست تؤدي إلى حدائق برية غير معتنى بها «كل نبت يشيخ إن لم يشذب» مسابح تعفنت من الإهمال وعدم الرعاية مبنى متوقف البناء فيه كجنين لم تتشكل أعضاؤه بعد.. أرض واسعة تحوي ردميات يحيط بها سور متآكل، محدد على بعض أطرافه ملكية صاحبه.. من بين فرجات السور يظهر كشك خشبي صغير بُني بخشب الصناديق يقيم فيه حارس.. قطيطة صغيرة يبدو أنها تاهت عن أمها تموء مستغيثة.. أحجار إسمنتية تجاورها ورشة عمل خرسانية وبناء وتكسير وإضافة للكورنيش وإلغاء وصفائح ألمنيوم تغطي مشاريع مبهمة وردميات متناثرة متراكمة كأجساد بارزة على الأرض.. ميدان السنبلة الصفراء يطرح سبعين ألف سنبلة ويقاوم مشاجرات الضوء كراسي خشبية مكسرة تتربص الشارع في صمت حولها هموم مهملة.. مدينة ألعاب بحيرة القطار عارية مهجورة قبيحة موحشة لم يتبق منها سوى مركب قديم مائل صامت تتشقق أطرافه يغوص جزء منه في البحيرة الراكدة كنعش شاخ يجاوره جسر خشبي مهشم ينشب نصفه النائم في طين البحيرة الطازج ونصفه الآخر يظهر باستحياء على وجه الماء كأنه يبعث استغاثة على شكل جروح.. مبانٍ فارغة عالية كالفخار ينتشر الصمت فيها ويخاصمها الضوء كأنها أعمدة خرسانية تحرس البحر.. أناس بسطاء مطمئنون كأنهم يملكون كل شيء يفترشون الأرض.. ينامون وسط طوفان العمائر الشاهقة الخالية المطلة على الكورنيش، تدور حولهم أموال لا حصر لها لا نصيب لهم فيها، أرواح هائمة يجمع بينها الفقر المدقع بكل أشكاله وأجساد معجونة بتعب النهار تتمدد على الرصيف كلحم مستطيل.. أطفال ينامون على يد من يحبون أحلامهم شراشف مخيطة بالحرمان.. المنظر لا يعبّر عن شيء سوى سخرية هذا العالم الذي نعيش فيه.. رجال وأطفال يسبحون على عجل قبل أن يسطع الفجر في مياه الشاطئ أسفل المسجد بملابسهم الداخلية ونساء بعباءاتهن الملتصقة بأجسادهن.. في الطرف الثاني مجموعة من العمالة الآسيوية تحاول اصطياد الحياة بصنارة، تقام الصلاة أقف خلف الإمام أستمع إليه يلهج بالآية الكرية }ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدراً|.. تنتهي صلاة الفجر.