-A +A
عزيزة المانع
يكاد يكون الصراع بين الناس حول الاستئثار بامتلاك الحرية دون البقية سمة عامة في حياة الشعوب على اختلاف انظمتها وقوانينها، فالحرية بلا شك شيء جذاب وبراق وكل يود ضمه الى ممتلكاته. ولم ألتق الى الآن بأحد يشكو من امتلاكه الحرية، لكني كثيرا ما التقيت بمن يشكو من افتقادها.
في كل مجتمع توجد مظاهر ثقافية لا ترضي أفراده كلهم، فيقبلها فريق منهم ويرفضها فريق آخر، وغالبا يتبع ذلك ان يسعى كل فريق الى ان لا يكون في المجتمع سوى ما يرضيه ويقبله، فينتج عن ذلك ان ترتفع الاصوات تتجادل وتتخاصم وكلها تريد امتلاك الحرية لتحقيق ما تدعيه من الاصلاح والرغبة في التغيير الى الأفضل. حتى في الولايات المتحدة الامريكية، أم الحريات، لا نعدم أن نجد فئات متضادة تتصارع فيما بينها حول من يفوز بامتلاك الحرية ضد الآخر. فحين تتلاطم الاتجاهات المختلفة والأفكار المتباينة تضحي الحرية المتنازع حولها، ليست مطلوبة لذاتها، وانما لتكون وسيلة لفرض الرأي وتحقيق المآرب. وربما لهذا السبب نجد الناس حين تكون الحرية في يدهم يكسونها سمة الصلاح والخير، لكنها بمجرد ان تخرج منها لتستقر في يد الآخر، تتحول الى شر وأذى. فالحرية عندهم تكتسب مفهومها من خلال انتفاعهم بها أو تضررهم منها، وأقرب مثال على ذلك ان المرأة ترنو بشوق الى ان تملك الحرية في أن تفعل ما تريد وفق ما يمليه عليها عقلها وتتطلبه احتياجاتها، لكن الرجل قد ينظر الى تلك الحرية على انها شر لأنه يراها تُمكَن المرأة من الاستغناء عنه فما تعود ترجع اليه. ومثل ذلك اصحاب الايديولوجيات المختلفة والمصالح المتعارضة، حيث يرى كل منهم وجها مختلفا للحرية يحدده موقعها من تقريب نيله لما يريد أو ابعاده عنه.

وقد لا يغيب عن اذهان الكثيرين ان التعايش الطيب في وسط الجماعة يقتضي قبول حتمية التخلي عن بعض من الرغبات وعدم توقع نيل كل شيء، الا انهم مع ذلك، لم يحل ادراكهم لتلك الحقيقة دون الاستمرار في الصراع حول الاستئثار بالحرية، ذاك ان الناس وإن أقروا بحتمية التخلي عن بعض الرغبات مقابل العيش معا في سلام، هم لم يقروا بعد أي الرغبات تلك التي يمكنهم التخلي عنها؟.