-A +A
محمد بن علي الهرفي
جائزة الملك فيصل ــ رحمه الله ــ أصبحت واحدة من أهم الجوائز العالمية، ومعروف أن عددا من الذين حصلوا عليها نالوا جائزة نوبل بعد ذلك، ومعروف ــ أيضا ــ أنها دقيقة المعايير في طريقة اختيار الفائزين.
السيد أردوغان ــ رئيس الوزراء التركي ــ نال هذه الجائزة عن خدمة الإسلام، وبحسب متابعتي للفائزين بها عن خدمة الإسلام فإن اختيار الطيب أردوغان لنيلها يعد حدثا فريدا من نوعه يستحق التقدير الكبير لكل فرد ساهم في اختياره ولكل القائمين على الجائزة!!
لماذا كان اختيار أردوغان حدثا مميزا وفريدا من نوعه؟! الذين نالوا الجائزة في السنوات الماضية ينسبون للعلم الشرعي بمفهومه السائد وليس الحقيقي ــ كما أعرف ــ هؤلاء العلماء استحقوا الجائزة بجدارة كما استحقها أردوغان بجدارة أيضا، ولكن أين يكمن الفرق بينه وبينهم؟!
العلماء السابقون لهم إسهامات كبيرة في الدعوة إلى الله، فهم كتبوا عشرات الكتب، وألقوا مئات المحاضرات، وذهبوا لمعظم أصقاع العالم للدعوة إلى الله، وبعضهم درس في الجامعات وفي المساجد، وأسلم بسببهم ــ أو بعضهم ــ المئات وغير ذلك من الأعمال الجليلة .. لكن الطيب أردوغان لم يفعل شيئا من ذلك فكيف استحق هذه الجائزة تحديد؟!
سأتناسى كل ما قدمته لجنة الجائزة من تبريرات لأقول: إنه عمل مثلهم، بل لا أبالغ إذا قلت: إنه قد يفوق بعضهم بكثير؟
خدمة الإسلام ليست في تأليف الكتب التي تتحدث عن الإسلام بصورة مباشرة، وخدمة الإسلام لا تنحصر في المحاضرات الدعوية وما شابهها، وخدمة الإسلام ليست في طريقة المأكل والملبس والحديث .. تلك أشياء مهمة ولكن الإسلام ليس محصورا في ثناياها فهو أوسع منها بكثير!! ولو طبق أحدهم تلك المعايير على السيد أردوغان لما نال تلك الجائزة، بل ربما طالب بعضهم بالتدقيق في إيمانه!
السيد أردوغان كان «الرجل المثال» منذ بداية بزوغ نجمه ولا يزال!! وأحسب أن هناك ملايين من الناس في بلده وخارجها تمسكوا بإيمانهم بسبب مواقفه الرائعة!
زرت تركيا كثيرا، لكن واحدة من هذه الزيارات جعلتني أوجه سؤالا لمرافقي التركي من أصل عربي: ماذا يحدث في أسطنبول .. أراها تغيرت كثيرا؟ قال كل ذلك وأكثر منه مما لا تراه بسبب رئيس بلديتها أردوغان .. وأضاف: إنه يعمل دون كلل، ويتمتع بنزاهة نادرة وقوة تحمل .. منذ ذلك اليوم عرفت أن رجلا يملك كل هذه الصفات لا بد أن ينجح وبامتياز!!
ومن يعرف تاريخ تركيا الحديث يدرك صعوبة الأجواء التي يعمل من خلالها ذلك الرجل، صعوبات داخلية وأخرى خارجية .. كل هذه الصعوبات استطاع التعامل معها بحكمة شديدة، وهذه صفات المسلم!
أقول: كان بعض المنتسبين للدعوة في بلادنا يذهبون لبعض الدول هنا أو هناك لدعوة أهلها فلا يعودون إلا وقد فرقوا أهلها شيعا وأحزابا؟ فهذا فاسد العقيدة، وذاك أشعري، والثالث صوفي إلى آخر القائمة وكلهم ــ بحسب أولئك الدعاة ــ بحاجة إلى تصحيح عقائدهم .. ومن هنا تبدأ المشاكل والاختلافات التي يصعب حلها فيما بعد!
ولو أن هؤلاء وسواهم فعلوا مثل أردوغان لتغيرت الأمور كثيرا .. ولكن الله يعطي الحكمة لمن يشاء!
تركيا تحسنت كثيرا في عهد أردوغان: اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا .. كل ذلك من أحسن الخدمات للإسلام ولأهله!
إسرائيل .. تلك الحكومة المتغطرسة من كان قادرا على إذلالها غيره؟!
خرج غاضبا على الصهاينة بحضور رئيس دولتهم لأنه أساء للفلسطينيين ولم يعط فرصة للرد عليه فترك القاعة وتعهد أن لا يعود إليها!! أليس هذا الموقف خدمة للمسلمين كلهم!
تركيا سمحت ببث «وادي الذئاب» الذي يتحدث عن الإرهاب الصهيوني، وعن قتل الأطفال وخطفهم، وعن الجيش الإسرائيلي الإرهابي .. ورغم كل الضغوط وادعاء الحملة على السامية استمر العرض ليعرف العالم كله حجم الإرهاب الصهيوني .. أليس هذا العمل من أروع الخدمات للإسلام؟!
وعندما طبق الصهاينة علنا مبادئهم المخزية فأهانوا سفير تركيا لم يصمت أردوغان كما يفعل البعض، وكما كان يتوقع الصهاينة .. تحدث بلهجة واضحة: على الصهاينة أن يعتذروا وبالطريقة التي حددها الأتراك وإلا .. وخضع اليهود كعادتهم!! إن هؤلاء لا يفهمون إلا لغة القوة .. كل لغة غيرها يسخرون منها .. اعتذر اليهود وبحسب الشروط.. لكن ذلك لم يرض الأسد التركي المسلم! رفض مقابلة الوزير اليهودي «وزير الدفاع» الذي زار تركيا وهكذا فعل رئيس حكومته .. من يفعل ذلك؟ أليس كل ذلك يصب في خدمة الإسلام؟
لأول مرة أرى أن مسلمين كثرا يتنفسون الصعداء وهم يتابعون أفعال هذا الرجل القدوة!
المسلمون يحتاجون إلى قدوة يرفعون رؤوسهم التي انحنت طويلا بسببها هذه هي خدمة الإسلام الحقيقية .. هذا هو الإسلام ــ كما أفهمه ــ رفع الأذى عن الطريق من خدمة الإسلام! إطعام الجائع من الإسلام، فتح مدرسة أو مستشفى من الإسلام وهكذا.
أردوغان استحق الجائزة بجدارة .. فرحت كثيرا لأن مفاهيمنا لكيفية خدمة الإسلام بدأت تتغير!

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة

أخبار ذات صلة