-A +A
احمد أسامة الراضي

الأوراق التجارية عنصر مؤثر في التعاملات التجارية التي تتطلب السرعة والإنجاز لا سيما الشيكات بوصفها أداة أساسية لتبادل النقد ما يجعلها حرية بمزيد من الحماية والرعاية في ظل التوجه الحكيم نحو توفير الجو المناسب للانفتاح الاقتصادي المقبلة عليه بلادنا الحبيبة والطفرة المباركة التي نعيشها في ظل عهد خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ، وكانت الثقة الواجب توافرها في الأوراق التجارية قد اهتزت منذ سنوات طويلة إثر تفاقم ظاهرة جرائم الشيكات ما جعل منتدى جدة الاقتصادي المنعقد في السنة الماضية يهيب بحمايتها جاعلا من أولى توصياته ضرورة إعادة الهيبة المفقودة للأوراق التجارية، في الوقت الذي كان قد أشير في تصريح سابق لرئيس اللجنة الوطنية التجارية إلى أن 45 في المائة من الشيكات هي بدون رصيد ولكم أن تتصوروا حجم الخسائر السنوية جراء ذلك ولا تكاد تمر مناسبة أو محفل يتناول التجارة والاقتصاد إلا وتتم الإشارة إلى عظم خطر هذه الظاهرة وضرورة التصدي لها .. وقد كانت الوزارة قد التفتت لهذه المشكلة بشكل جدي من خلال تشديد العقوبات في النظام كما كانت قد تظافرت لحل هذه المشكلة جهود أكثر فاعلية أشير هنا مثلا إلى إعلان شركة سمة إعداد قاعدة بيانات ائتمانية لمن يصدر شيك بدون رصيد وكل هذه الجهود لا شك جهود مشكورة يبذلها المخلصون للتصدي لهذه الظاهرة المؤرقة إلا أنها لم تكد تؤتي ثمارها بعد، وفي ظل هذا الوضع المضطرب فيما يخص الورقة التجارية بثت وزارة التجارة أخيراً تعميماً تضمن التنبيه بضرورة توافر بيان مكان إنشاء الشيك لاستكمال الشروط الشكلية للورقة التجارية، مشيراً إلى مواد نظام الأوراق التجارية ذات الصلة، وإلى تنسيق الوزارة مع مؤسسة النقد بضرورة التنبيه على البنوك بذلك، وحذر التعميم بأن الوزارة سوف تبدأ بتطبيق العقوبات في حق من يصدر شيكا غير مكتمل البيانات منبهاً إلى أن الوزارة لا تختص بنظر الشيك الذي لا يستوفي البيان المذكور، وقد تم تداول التعميم بشكل واسع وخلف تبعات عديدة وقد لا يرى الكثيرون فيه ما يثير الاستغراب فالمغزى كما هو واضح علاج مخالفة قائمة لمواد النظام، إلا أنه ومن جهة نظر المختص أو التاجر الذي مر بتجربة من التجارب المشوقة جدا فيما يتعلق بالشيكات المرتجعة .. فهو بلا شك يوافقني الرأي على أن ذلك كان كمثل أن يتم الإعلان في سوق من الأسواق سيئة السمعة وعلى العموم وبصوت مرتفع وعند كل زاوية أنه قد لوحظ أن محال الذهب في السوق تستخدم أقفالا من النوع الردئ غير المطابق لمواصفات ومعايير الأمان وأن من يتم اقتحام محله فإن إدارة السوق غير مسؤولة وفقاً لما نصت عليه أنظمة الحماية والأمان في السوق، لا شك ستكون فرصة سانحة وليلة حافلة للصوص كما كانت الفرصة سانحة دائماً للصوص الشيكات بدون رصيد الذين وجدوا الآن ذريعة مثالية، إن صدور التعميم في هذا القالب من شأنه أن يضع مستشاري مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في نوع من الحرج وقد يؤدي إلى التعسف في إنزال هذه المادة من النظام على وقائع لا تستقيم معها، وأشير هنا إلى أن النظام إنما قصد بوصف شكل الورقة التجارية والبيانات الواجب توافرها فيها تمييزها عما سواها إمعاناً في حمايتها وكون الشيكات التي يعنيها التعميم إنما جاءت في القالب المعد من قبل البنوك ليطمئن له المتعامل العادي من نظرة سريعة، ويعلم أنه سيكون في مأمن من أن يطاله مثل هذا الطعن في ورقته التجارية فكيف إذا تمسك بهذا الدفع ساحب الشيك سيئ النية والمقر بالدين يصبح الأمر عندئذ مثيراً للسخرية، وقد كانت اللجنة القانونية في وزارة التجارة في سوابق قضائية رائعة قد صرفت النظر عن دفع شكلي متحقق فيما يخص تجاوز المهلة المحددة لتقديم الشكوى كون هذا الشرط الشكلي المنصوص عليه في النظام إنما يقوم على قرينة الوفاء فإذا انتفت أو كان هناك إقرار بالدين فلا وجاهة حينها للدفع بذلك ولا شك أن هذا الفهم العميق مطلوب في تناول النواحي الشكلية في سبيل تحقيق أهداف النظام الذي لم يوضع بل لم توجد لجان الفصل في الأوراق التجارية إلا لحمايتها وصون الثقة الواجب توافرها فيها، وفي الوقت الذي كان المتسبب فيه في هذه الثغرة القائمة أطراف بعيدة عن الضرر المباشر بدءاً ببعض البنوك التي صدرت شيكات غير مطابقة والجهات الرقابية التي غفلت عنها فترة من الزمن وجدنا أن الذي تحمل تبعات ذلك كله في نهاية المطاف شرائح المتعاملين ممن وضعوا ثقتهم في الشيك وأن يأتي التعميم بمزيد من تقطيع أوصال هذه الورقة التجارية المهترئة أصلا فيكون بذلك قد «أكمل الناقص» .. لاشك أن التغيير المطلوب والذي نطمح إليه جميعاً لا يمكن أن يتم تحقيقه إلا من خلال خطوات متتالية وحلول جذرية لتوفير الظروف التنظيمية والإجرائية ومعرفة مواطن الخلل التي أدت إلى أن حامل الشيك المتعثر صرفه ما يزال يضطر إلى الخوض في دوامة من الإجراءات المعقدة قد تنتقل من جهة قضائية لأخرى وقد تصفر أوراقه ويصفر وجهه قبل أن يتمكن من تحصيل حقوقه؛ وذلك لا شك لا يرضي أي مواطن غيور حريص على سمعة وطنه، وكم أشعر بالألم عندما أصادف من يسرد لي قصة مخيبة بطولتها تلك الورقة الشهيرة لاسيما إذا كان متعاملا أجنبياً أو زائراً لا يسعه أن يلجأ إلى المشورة في وقتها لينقل معاناته معه للخارج، كلنا ثقة وأمل في أن تؤتي الجهود المخلصة ثمارها في هذا المجال سريعاً حتى نرى لصوص الأوراق التجارية يترددون مرة بعد مرة قبل أن يقدموا على العبث بسمعة هذه الورقة التجارية المهيبة.

* مستشار قانوني

ahmed@a-radi.com