-A +A
عزيزة المانع
يعاني المجتمع من مشكلات كثيرة، جزء كبير منها يمكن أن يعزى إلى النسق الفكري السائد في المجتمع، وهو نسق قائم على قيم القبول بمسلمات متوارثة لا يرضى لها مراجعة ولا يقبل لها بديلاً، وعلى قيم الجمود ورفض التجدد، مما يجعله نسقاً فكرياً مولداً لكثير من المشكلات الاجتماعية.
ولعل أهم ما تقوم به الجامعات في خدمة المجتمع هو أن تنشغل بإثارة الفكر النقدي فيه، فتطرح على أرضها مختلف القضايا والأفكار المتجادل حولها كالقضايا السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية وغيرها، وذلك لتعين العامة على تشكيل رؤية سليمة لكل ما يحدث داخل وخارج المجتمع. فالجامعات تعد مؤسسات علمية واجتماعية معاً، ومن واجبها أن تسخر امكاناتها العلمية والفكرية في معالجة مشكلات المجتمع وإعانة أفراده على فهم أشمل للحياة واتباع أسلوب أفضل لمواجهة المشكلات.

إلا أن الجامعات لدينا نراها غالباً تتهرب من القيام بهذا الدور، فتضرب على نفسها سياجاً من التحوط والحذر أن يدور بين جدرانها نقاش لأية أفكار تحظرها ثقافة المجتمع، بل إنه ليس نادراً أنه عندما تطرح فكرة إقامة ندوة أو مؤتمر فكري في داخل الجامعة أن يتسبب ذلك في إعلان حالة الطوارئ في رحاب الجامعة، فتجند كل القوى لأخذ الاحتياطات اللازمة خشية تسلل أفكار غير مرغوب فيها، أو حضور مفكرين غير مرضي عنهم، فتنشط الهمم في تدقيق قوائم أسماء المشاركين، ومراجعة ملخصات الدراسات، وجمع المعلومات حول الأفكار التي ستطرح، وكيف سيتم طرحها، إلخ تلك النشاطات المعبرة عن التوجس والريبة.
الجامعات هي بمثابة العقل المدبر للمجتمعات ويتوقع منها أن تتسع لتحتضن كل القضايا التي تهم المجتمع ويكون لها صوت مسموع حولها، فالجامعات إذا لم يسعها أن يطرح فيها الرأي ونقيضه، ويعلو فيها الصوت وضده، أضحت لا فرق بينها وبين غيرها من مؤسسات المجتمع، ومن الذي يمكنه أن يفعل إن لم تقدم الجامعات على ذلك وهي التي تعد الأقدر بما عندها من عقول مفكرة وخبرات واسعة؟
كيف يمكن لعامة الناس أن يتعلموا مبادئ التسامح، والحوار المنطقي الفعال، والإقرار بالفضل لأهله، والتراجع عن الخطأ عند تبين الصواب، إن لم تتصدَّ الجامعات للقيام بهذه المهمة عن طريق فتح أبوابها لكل الآراء وكل الأفكار؟
إلا أنه مع الأسف، ما يصبغ الجامعات لدينا هو ميلها إلى تقليص دورها الجوهري في قيادة الفكر في المجتمع، متجاهلة أن قيادتها للفكر هي التي تشق الطريق نحو رؤية جيدة صالحة، تكون حائلاً دون أن يستمر النسق الفكري في انحصاره في الإيمان بمسلمات متوارثة، وفي عمليات رفض دائمة لكل جديد.