-A +A
عزيزة المانع
ضمان حرية التعبير هو الأصل الذي يعطي معنى لما نسميه الحرية الفكرية، ذاك أن الناس بإمكانهم أن يفكروا ما شاء لهم لا يحتاجون في ذلك إلى استئذان أحد شريطة أن يظل ما يفكرون فيه طي الكتمان، أما متى أرادوا إعلان ما يدور في أذهانهم من أفكار، فإن الأمر يختلف، فهم قد يصطدمون بقيود تحول بينهم وبين التعبير الصريح عما يفكرون فيه. وهذه القيود التي تعيق التعبير الحر عن ما يتم التفكير فيه، هي نوع من وأد التفكير، فالأفكار إذا لم تعلن ويتم تقليبها وتفحصها والتلاقح فيما بينها يصيبها الذبول والاضمحلال فتنتهي إلى التلاشي.
حرية التعبير، تعد الأداة الأولى في الوصول إلى المعارف واستجلاء الحقائق، وربما لو لم يتوفر لعلماء المسلمين القدامى بيئة اجتماعية تتيح لهم حرية التعبير كما يشاؤون لما كان لهم ما كان من دور عظيم وإسهام بيّن في نمو الفكر الإنساني. لقد استطاع أولئك العلماء منذ القرن الثالث للهجرة أن ينقلوا مؤلفات أفلاطون وأرسطو وغيرها من مؤلفات المجتمع الوثني، معبرين عن إعجابهم بها ورضاهم عن بعض ما جاء فيها وحاجة الناس إلى التعلم منها والاستنارة بما فيها من معرفة، فأثروا الفكر في المجتمع الإسلامي بما نقلوه إليه من فكر فلاسفة الإغريق وعلمائهم، في الوقت الذي أغلقت فيه روما أبوابها دون تلك المعرفة الوثنية بحجة الحفاظ على العقيدة المسيحية من التلوث بوثنية الإغريق، فغرقت روما في ظلام الجهل، ونما الفكر الإسلامي في ضوء حرية اكتساب المعرفة وحرية التعبير عنها.

قطعاً هذا لا يعني أن أولئك العلماء من الفلاسفة والمفكرين المسلمين لم يتعرضوا للاضطهاد الفكري ومحاولة الجامهم وحجب حرية التعبير عنهم، لقد عانى البعض منهم قدراً كبيراً من ذلك بلغ حد التعرض لمصادرة مؤلفاتهم وحرقها أو عزلهم من مناصبهم أو سجنهم، إلا أن ذلك كان يتم في إطار حالات فردية وهي في معظمها ترتبط بدوافع سياسية أكثر منها فكرية.
إنه أمر طبيعي أن يوجد في المجتمع متطرفون كما يوجد فيه معتدلون، وأن يوجد فيه متشددون كما يوجد فيه مفرّطون، ومن الطبيعي أن يكون هناك معادون للجديد من الآراء كما هناك محبون للتغيير والتجديد، لكن ما هو غير طبيعي أن تصر فئة بعينها على أن تكون في يدها وحدها أزمة العقول، وأن تحاول أن ترتقي إلى مواقع النفوذ في المجتمع لتسن من القوانين والأنظمة ما يرضيها وحدها.

ص.ب 12668 الرياض 22611 فاكس: 2835554