-A +A
عزيزة المانع
يتداول (الانترنتيون) رواية قصة طريفة فحواها أن زوجين سعيدين عاشا معا سنين طويلة لا ينغص سعادتهما منغص، ثم مرضت الزوجة وأوشكت على الوفاة، فأراد الزوج الحزين أن يعرف منها قبل موتها سر حرصها طيلة سنين زواجهما على إخفاء صندوق صغير عنه، فحمل الصندوق وجاء به إليها ليسألها عن سره بعد أن وجد بداخله دميتين صغيرتين وإبراً وخيوطاً ومبلغاً كبيراً من المال، فأجابته أنها لما تزوجته أوصتها أمها أن لا تظهر غضبها أمامه لأي شيء يقوله أو يفعله، وأن تجتهد في أن تقابل كل ما يصدر منه بابتسامة عذبة، وتحقيقاً لنصيحة الأم فإنها كانت في كل مرة تشعر فيها بالغضب منه تخلو إلى نفسها لتخيط دمية صغيرة تنفس بخياطتها عن شعورها بالألم المكبوت. فابتسم الزوج بغرور وقال متباهياً: لا يوجد في الصندوق سوى دميتين، هذا يعني أني لم أغضبك سوى مرتين فقط. ردت الزوجة: هاتان الدميتان هما اللتان بقيتا، فقد كنت أبيع ما أنسج من دمى.
هذه القصة يتداولها الرجال بسرور بالغ، مأخوذين بما فيها من تصوير مؤثر للزوجة الصالحة، زوجة بلا انفعالات، سوى ما كان طيباً، امرأة لا تغضب، ولا تتجهم، ولا تصرخ، ولا تقول لا، أو كفى، امرأة دائماً مبتسمة ودائماً رقيقة ولطيفة، صورة رائعة للزوجة أثارت حماس الرجال وبلغ من حماسهم أن أخذ عدد من كتاب الزوايا في الصحف المحلية يعيدون بإكبار رواية القصة في زواياهم العامرة، وربما خالط ذلك شيء من الحسرة أن زوجاتهم لا يفعلن كما كانت تفعل تلك المرأة.

تنشأ المرأة وقد لقنت أن فضيلتها تتجسد في الصبر على الأذى والاستسلام للظلم، وأن سعادتها تستمد من خلال رضا الزوج عنها، لذا هي مطالبة أن تدفن مشاعر الحنق والقهر والألم في زاوية قصية في داخل الذات فلا تظهر منها شيئاً ولا تطلع عليها أحداً، تماماً كما فعلت بطلة تلك القصة مع صندوقها المغلق. المرأة مطالبة أن تتلقى الإهانة والخيانة ونكران الفضل وبخس الحق بصمت التسليم وقناعة الرضا، فلا يلوح منها سوى وجه مشرق بابتسامة الصفاء. فما يهم هنا هو صفاء الجو داخل المنزل، وعدم التسبب في تكدير صفو الزوج باحتجاج عاصف أو اعتراض مزعج.
ظاهر القصة يتمثل فيه الحث على البعد عن (النق) وإثارة الزوابع في حياة الأزواج، أما ما تحت الظاهر، مما يملى على المرأة فعله، فهو أن تئد مشاعرها وتئد معها رغباتها واحتياجاتها وكرامتها حتى لا تصير (نقاقة)، فمن المسلم به أن لا فكاك من (النق) إلا بأحد أمرين: القضاء على مسبباته من اعتداءات نفسية ومادية، أو وأد ما ينتج عن تلك الاعتداءات من مشاعر الغضب أو القهر والحزن. ولأن القضاء على الأمر الأول لا يرد على الخاطر، فإذن ليس هناك سوى الأمر الثاني.
هل كانت تلك المرأة سعيدة في داخلها؟ هذا ليس شأن القصة.