-A +A
فؤاد مصطفى عزب
من وجع النوافذ التي تطل على سريرة الناس.. أكتب إليكم.. من الرسائل التي أتلقاها والتي كاد مرسلوها يعتقدون أنها لا تصل.. أكتب إليكم.. من تضرع العوز الذي أصبح رفيقاً لشباب يفترض أنهم تخرجوا ليعولوا أسراً بكاملها أكتب إليكم.. من وادي الغليان.. أكتب إليكم وأحدثكم عن موضوع قد يلزمني الحديث فيه مساحة باتساع دمي مساحة باتساع الأفق علها تنقذني من الرماد النازل في الحلق والرئتين، فصدفة أن تجد موظفاً في بعض المؤسسات على مكتبه وصدفة أن تصل بعض طائرات خطوط بعينها في أوقاتها ولكن ليس «صدفة أن تنجب طفلاً أجمل من هؤلاء الضاحكين في الإعلانات وتصفق له كلما أتم احتساء كوب الحليب وأن تحمله بين ذراعيك وتغرسه بين عينيك ليتدرج في العمر ويصبح رجلاً وتعده ليكون أكثر إقبالاً وحيوية على الدنيا والناس.. تفرح لنجاحه.. وتبتهج بتخرجه».. لا تصدق بل ولا تقبل أن يتحول كل ذلك الأمل إلى نقش على حائط البيت كأنه باب مخلوع في حقل متروك.. لا شيء عنده سوى النوم وسيارة تسابق فراغ الأرض يستيقظ كالأيام التي تمر في حياته كالعربات في بطء على رئتيه ويغفو على مسح أحجار الطريق.. خائفاً هارباً من المجهول فهو كلما أرخى أحلامه على حجر مشى من أمامه.. ترتطم أحلامه كل يوم بمتاريس أقوى من الصخر مصنوعة من أجساد بعض أفراد يدعون أنهم مواطنون يمتلكون «مؤسسات خاصة» أفراد يجلسون في قعر الوطن كأشباح تحكي في حقل تتبادل النكات والقفشات وتلعب الورق وتتسلى بعد النقود يحدقون دون مبالاة في شباب يسقطون خلف التلال كدم ينزف من جرح مفتوح يحاولون أن يغسلوا كفهم بالديتول منهم كغربان ميتة فقد حكموا عليهم في مجالسهم بأنهم «عمالة رديئة متسيبة لا مسؤولة ولا يمكن الاعتماد عليها» وكأن أولئك السادة جاؤوا من المريخ مثلاً يقولونها لك بوجه مستريح وهدوء و«روقان» جملة أصبحت تعذبني وأنا أسمعها من أناس غفر لهم الوطن حقوقاً مؤجلة فرموا بأبنائه على مدخل البطالة محاولة مبتكرة وفريدة من أفراد ألفوا التطنيش ونسف كل ما هو جاد!! جراءة بل بجاحة تجاه حس وطني صادق وهام يدفع ثمنها الأغلبية من شبابنا. في دول العالم المتقدم رجل الأعمال ليس فقط جامع مال، رجل الأعمال هناك صائد أحلام يُدخل مواطنيه الشباب في فوهة الحياة شامخاً كالعز يستقبل الخريج الجديد على عتبة الحياة باحترام في موعد عمل وتدريب يخطف به شهقة الرعب منه ليحولها وفي وقت قياسي إلى مضيق متسع من التجربة الناجحة الواثقة التي تجري في عمق المؤسسة يصحح له العبارة إن خانه التعبير ويطهو له المهارة ليصنع بها المستقبل وليبعد عنه (شبح البطالة) هذه الكلمة التي تجعل الريح والبر والبحر والحياة أضيق من كف إنسان.. هل من يحاكي منكم يا قوم.. رجل الأعمال الغربي في هذا الانتماء الصعب.. لقد حاكيتموه في السيجار والنظارة والمرسيدس والتلفون النقال فلماذا لا نحاكيه في أمر نافع على الأقل.. أسئلة أمضغها تحت لساني فينتابني إحساس مزمن للأسف بأنني مجرد تلفون نقال يقرع في منفى كأنني أكلم نفسي.. هل فعلاً أكلّم نفسي؟!