-A +A
عزيزة المانع
ما كل قلب ينشرى بالهدايا
ولا كل كسر تفيد فيه الجباير

هو بيت من الشعر الشعبي، لا أدري أين قرأته ولا كيف حفظته! كل ما أدريه أنه لامس شيئاً في نفسي فانزوي بين ثنايا الذاكرة.
هو بيت يعكس واقعاً نعيش فيه حيث بات كثير من الناس يسيطر عليهم وهم أنهم قادرون على شراء كل شيء بالمال، فاستحال كل شيء في عيونهم إلى ماديات يمكنهم الحصول عليها بمجرد دفع مقابل مالي لها، سواء كان ذلك حب الناس أو احترامهم أو اعجابهم، أو كان أفكاراً يبثونها أو قيماً دينية أو أخلاقية يريدون تسويقها.
وربما كان هذا بسبب فهم البعض لأثر الثواب أو الحوافز في الحث على اتباع السلوك المطلوب فظنوا أن مجرد تقديم جائزة أو مكافأة مادية كفيل بأن يجعل المرء يستجيب لما هو مطلوب منه. وكمثال على هذا ما نشر في الصحف منذ أيام قلائل من أن واعظاً أخذ يعظ الناس ويرغبهم في نبذ الفساد والتوبة من الذنوب وهو يلوح في يده بالعطايا والهبات للتائبين منهم، فكان يقدم خمسمائة ريال لكل من تقدم إليه معلناً توبته.
وبعيداً عن النية الحسنة التي تهدف إلى نشر الفضيلة والقضاء على الرذائل في المجتمع، ألا يبدو هذا التصرف فيه قدر كبير من السذاجة؟ وأسوأ منه أن ترتبط السذاجة بمن يتصدى للوعظ والتوجيه! ترى كم من مخادع ومنافق ومدع تقدم ليعلن توبته ومستعد أيضاً أن يأتي كل يوم ليعلن التوبة من إثم جديد طالما أن ذلك سيعقبه استلام تلك الورقة الزرقاء؟ كم من منافق مستعد لأن يواظب على أداء الصلاة في المسجد مقابل الحصول على مكافأة مالية، وكم من متظاهر مستعد لحفظ القرآن الكريم مقابل استلام (الثمن)، وكم من داخل في الإسلام رجاء نيل المقابل من المال، فهل هذا ما نريد؟ هل نحن نسعى إلى زيادة عدد المنافقين والكاذبين في المجتمع؟
التلويح بالمكافآت المادية، أو التهديد بالعقوبات، لا يبني أخلاقاً، ولا يزرع في النفوس قيماً، فإن هو أثمر استقامة في السلوك أو نبذاً للمعصية فما ذاك إلا ريثما تستمر إطلالة المغريات أو العقوبات، ومتى اختفت عادت الأمور إلى جاري عاداتها.
إن للناس عقولاً ينبغي أن تخاطب، وعواطف يمكن لها أن تستثار، وما عدا ذلك فهو زبد ما يلبث أن يذهب هباء.