-A +A
عزيزة المانع
يقول المثل القديم: اللبيب بالإشارة يفهم، وهذا يعني أن الناس نوعان لبيب وغير لبيب، فمن كان منهم لبيباً عرف ما له وما عليه والتزم بحدود ذلك بيسر وسهولة، فأراح واستراح من غير حاجة إلى تكرار وتذكير ورقابة ومتابعة.
وما يبدو هو أن بلدية الرياض عدت الناس كلهم من فئة اللبيب، لذلك فإنه لما صدر قانون حظر إلقاء النفايات في الطرق والأماكن العامة وأعلن عن غرامة مائتي ريال لمن يفعل ذلك، اكتفت البلدية بذلك الإعلان ولم تعقب، لا بمتابعة ولا رقابة ولا توجيه أو تذكير، مفترضة أن العلم بالقانون وحده يكفي. لكن الواقع يقول إن البلدية أفرطت في حسن الظن حين عدت الناس كلهم ألباباً.
ليلة البارحة كنت أسير في حديقة من الحدائق العامة التي أنشأتها أمانة مدينة الرياض، وهي حديقة جميلة فيها ملاعب للأطفال ومضمار للمشي وساحات مزروعة للمتنزهين، لذا هي مكان يرتاده كثير من الأسر مع أطفالهم فيقضون الوقت هناك في أكل وشرب إلى جانب اللعب واللهو، فيتبع ذلك ما يتبعه من تلويث، فهذه الحديقة المسكينة يدخل إليها روادها وقد اكتست حلة نظيفة ثم لا يغادرونها إلا وقد طمست معالمها من البقايا والمخلفات بأنواعها، وقد رأيت أحد المرتادين عندما حان وقت الرحيل يحمل البساط الذي كان جالساً عليه مع بقية أفراد عائلته فينفض ما كان فيه من مخلفات على الأرض ثم يناوله لزوجته، التي طوته ووضعته في سلة معها، ريثما كانت منشغلة بإعطاء الأوامر لطفلها بأن يلقي من يده على الأرض علبة عصير فارغة كان يلهو بها حتى لا يأخذوا معهم زبالة إلى السيارة، حسب تعبيرها، ثم غادرت الأسرة الكريمة المكان بحفظ الله لم تتحرك في أحد منهم ذرة من تأنيب الضمير أو الحياء مما فعلوا.
نحن مجتمع مازال لم يكتمل عنده الوعي بطبيعة الحياة المجتمعية، ولم ينشأ لديه الشعور بالانتماء الى الأماكن العامة، ومازال البعض، وقد تكون الأغلبية، يتعاملون بلا مبالاة مع كل شيء خارج منازلهم على اعتبار أنه لا يخصهم حتى وإن كانوا منتفعين به، تماماً كما فعلوا مع هذه الحديقة المظلومة. وإلى أن نتغير فيصير الشعور بالانتماء إلى الأماكن العامة جزءاً لصيقاً بتفكيرنا، لابد من تفعيل القوانين التي تسن من أجل الحث على المحافظة على نظافة الأماكن العامة، وعدم ترك ذلك للضمائر.
وفي مثل هذه الأماكن العامة التي يرتادها الكثيرون، لابد من وجود مشرف من البلدية يطوف بين الناس ليسجل على المخالفين منهم غرامات مباشرة تذكرهم بضرورة المحافظة على نظافة المكان الذي يوجدون فيه. فهذه الخطوة هي البداية لتعويد الناس على السلوك الأفضل إلى أن يصير فيهم بعد جزءاً من عاداتهم.

.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382