-A +A
فؤاد مصطفى عزب
الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط تشير إلى قرب «صلاة التراويح» أتجه إلى «تروست» أقدم شوارع كانسس ستي حيث يقع المسجد كلما أذهب إلى هذه المنطقة أستعيذ برب الناس من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس وأهمس لنفسي بأية الكرسي فالذهاب إلى مسجد بلال في هذا الوقت كعبور حقل مزروع بالألغام المسجد مبنى صغير متواضع شيده رجل أسود اسمه «بلال» بيده الخشنة بعد أن عاد من حرب الخليج الأولى بنفسه اختار هذا الشارع المعبأ بالبرد والمعاناة والألم والفقر لأنه المكان الذي شهد مولده وعرف فيه الجريمة والانحراف عندما كان شاباً قبل أن يعتنق الإسلام.. تغير «كرستوفر» وأصبح «الشيخ بلال» وظل هذا الشارع كما هو لا تعرف أرضه النظافة مهما وطئتها المكانس الألكترونية كأنه أشبه بحجرة عازب يجلس على أطرافه متسولون فقراء بيتهم الرصيف وثيابهم رثة وشعور رؤوسهم كغرفة عبث اللصوص بمحتوياتها يشيرون للمارة كما يفعل أطفال المدارس مع السياح في الأحياء الشعبية.. أمر بمحطة بنزين في أول الشارع أملأ الخزان عن آخره.. أتمتم لن أشتري «الكانسس سيتي ستار» لاأريد ما يعكر صفو يومي الرمضاني دائماً الصحف المسائية تعكر الصفو هنا لاتجلب ما يطمئن البال أفتح الراديو ثم أغلقه بعد برهة أضع شريطاً للشيخ عبد الرحمن السديس يأتيني صوته العذب يشق صمت مساء كانسس ستي ويضفي شيئاً عميقاً من الرهبة والكثير من الخشوع والصفاء.. أصل المسجد يستقبلني «الشيخ بلال» مبتسماً بوجهه الذي يطفح بالعافية والذي يصلح رسماً لوجه القمر الضاحك في كتب الصغار على باب المسجد يرحب بي بلهجة ولايات «الميدل ويست» لغة الخشب يسألني إن ذهبت إلى مكة أجيبه نعم وأحدثه عن عمرتي كان يستمع إليّ بنهم المحكوم عليه قبل الوجبة الأخيرة تبتل عيناه خلف نظارته السميكة الدائرية كنظارة عمر المختار يبكي لايمسح دموعه يتركها تسيل على خديه وتسقط قطرات منها على ذقنه المحناة عندما أذكر له أنني قبلت الحجر الأسود وشربت من ماء زمزم يمسح الشيخ بلال وجهه كمن يمسح الذكرى عن باله أسأله عن «زينب» زوجته أو كما يسميها النافذة المنيرة في حياته فلولاها لما عرف الإسلام يطمئنني عليها!! سلمته مسبحة معطرة ومصحفاً وسجادة أحضرتها له من «مكة» يستلمها مني يقبلها يمسك غصة في حلقه يتحشرج صوته يغور صوته في عمق قفصه الصدري كما تغور مياه البحر يقول لي شكراً لاحرمك الله من مكة ندخل المسجد مجموعة تنتحي جانباً من المسجد تصلي في الجانب الآخر هناك مجموعة تقرأ القرآن بصوت خفيض ,, آخرون يمسكون بمسابحهم يسبحون الله ويذكرونه كثيراً حتى تفيض الدموع من أعينهم من فرط الوجد تبدأ «التراويح» يرتفع صوت «بلال» يأتي عميقاً من عز الروح }ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ماوعدتنا على رسلك ولاتخزنا يوم القيامة إنك لاتخلف الميعاد| صدق الله العظيم.