-A +A
عزيزة المانع
لا أشك أننا نواجه أزمة لغوية تنخر في جسد لغتنا العربية، وإن لم نبادر إلى تدارك هذه الأزمة فإنه قد يأتي يوم نجد أنفسنا وقد فقدنا أبرز مميزات هويتنا العربية، فالانحدار اللغوي لم يعد مقصوراً على الناشئة، ولا هو محصور في محرري الصحف أو مقدمي البرامج في الفضائيات، هو بات مستشرياً حتى امتد ليصل إلى مؤلفي الكتب من أساتذة الجامعة وغيرهم، في مختلف الفنون والمجالات.
لقد بات من غير النادر أن تتصفح كتاباً لا تجد فيه أخطاء نحوية أو إملائية، ما لم يكن مؤلفاً في علوم الدين أو اللغة أو الأدب أو النقد، وقد يكون الكتاب جيداً في محتواه العلمي أو مضمونه الفكري، لكنه على المستوى اللغوي يقع في القاع، فتقع أنت معه في حيرة إن كنت استاذاً تحتاج إلى أن ترشد طلابك إلى ما يرجعون إليه من كتب علمية، فأنت إن أرشدتهم إلى قراءة كتاب جيد في مضمونه العلمي وأغفلت ما فيه من ضعف لغوي، لزمك آنذاك أن تغض النظر عما قد يكتسبه الطلاب من أخطاء لغوية ينقلونها عن مرجعك الذي أرشدتهم إليه، وإن أنت مضيت تبحث عن كتاب جيد في محتواه العلمي وخال من الضعف اللغوي، صرت كمن يبحث عن إبرة في البحر، فمن أين تأتي لطلابك بمرجع جيد ينتفعون به في دراستهم؟
بعض المؤلفين يتحدثون عن مسألة الاعتناء بسلامة اللغة بشيء من السخرية واللامبالاة ويعدون ذلك من التحذلق الذي لا أهمية له، فهم يرون أن مجالات تخصصهم لا تتصل بالدراسات اللغوية ومن ثم فإن الحرص على اتقان اللغة هو نوع من التزيد الذي لا حاجة إليه، فما يهم هو المضمون العلمي الذي يحتويه الكتاب، جاءت العبارات فيه مصاغة بشكل سليم أو لم تأت، ولعل هذا ما يدفع بكثير منهم إلى إغفال تجويد لغتهم أو مراجعتها، فيبعثون إلى المطابع بما يكتبون كما أملته عليهم معرفتهم الضئيلة في اللغة من غير تصحيح أو تعديل.
ولو أن مؤلفي هذه الكتب كانوا من هواة الكتابة المبتدئين لربما أمكن غض النظر عن ذلك، لكنهم من أساتذة الجامعة الذين يؤلفون في مواضيع علمية يحتاج طلابهم الرجوع إليها، وعندما تضم تلك المؤلفات أخطاء في اللغة فإنها تسهم في تنامي الانحدار اللغوي لدى الطلاب، وما كان يضيرهم لو أنهم دفعوا بمخطوطاتهم إلى من يصححها لغوياً قبل الطباعة فذلك أدعى إلى أن يدل على احترامهم للغتهم ولمكانتهم العلمية ومواقعهم، أساتذة ومعلمين في الجامعات. وطالما أن الشعور بأهمية الاعتناء باللغة مفقود لدى البعض من المؤلفين، فإني أقترح ألا يعطى فسح لنشر أي مؤلف إلا بعد أن يجاز لغوياً، وأن يكون ذلك اتفاقاً عاماً بين وزارات الثقافة في العالم العربي كله، فالضعف اللغوي ليس محصوراً في المؤلفات السعودية وإنما هو ضعف عام تجده في كثير من المؤلفات العربية.

ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382