-A +A
عزيزة المانع
الحب في الأرض وهم من تصورنا
لو لم نجده عليها لاخترعناه

هل احترتم مثلي في فهم ما يريد أن يقوله نزار قباني عن الحب ووجوده في هذه الحياة؟ للوهلة الأولى، قد يتبادر إلى الذهن أنه يرمي إلى نفي وجود حقيقي للحب، فعندما يكون الحب (وهم من تصورنا) فهذا يعني أنه غير موجود، لكنه ما يلبث أن يقرر في الشطر الثاني وجود الحب في الحياة بدليل أننا لا نحتاج إلى اختراعه.
ألا يتضمن شطرا البيت شيئاً من تناقض؟ فما بين إقرار الشاعر بأن الحب وهم نحن صنعناه بأيدينا، ما يلبث أن يقول (لو لم نجده)، فأي وجود ذاك الذي يشير إليه، أهو وجود الوهم أم وجود الحقيقة؟ متى يكون الحب وهماً ومتى يكون حقيقة؟
الحقيقة من صفاتها، كما يقول الفلاسفة، أن تكون مطلقة وثابتة، فهل الحب شيء مطلق وثابت في حياتنا؟
من يعش سعيداً في علاقاته العاطفية قد يرى الحب حقيقة، وحقيقة جميلة. ولكن من يصدمه الحب بخيانة أو غدر أو جحود بعد أن علقت عرى المحبة بينه وبين المحبوب، فإنه قد لا يرى في الحب سوى أنه وهم من الأوهام. هل المسألة نسبية؟ إننا متى قبلنا بمسألة النسبية هذه أكدنا من حيث لم نشعر أن الحب ليس حقيقة، لأن الحقيقة لا تكون نسبية على الإطلاق.
والحب ينتمي إلى العواطف ومن صفة العواطف التقلب، فالعواطف من طبيعتها أن تشرّق وأن تغرّب، ونحن طوعها نتبعها أينما اتجهت، فالحب قد ينبض في القلب في زمن، ثم لا يلبث أن يخفت نبضه وينسل هارباً للبحث عن مثير جديد يحرك النبض الخافت. ونبضات الحب كما أنها تتراوح في علوها وخفوتها، هي كذلك لا تثبت في اتجاهاتها، فهي مرة تتحرك ذات اليمين وأخرى ذات الشمال، وهذا التذبذب في توجهات الحب يجرده من صفة الثبات، والذي لا ثبات له، لا يكون حقيقة. لأن الحقيقة من صفتها الثبات، فهي لا تتذبذب لتتغير وتتبدل.
لا أظن هناك عاطفة تختلج في القلب أكثر سمواً من عاطفة الحب، وسواء كان الحب حقيقة أو وهماً، نحن لا يمكن أن ننكر شعورنا بأهميته في حياتنا. من ملك منّا الحب فقد وجد كل شيء، أما من فقده، فحقه علينا أن نستمطر عليه رحمة الله، فهو محروم من كل شيء، فلا إيمان ولا وطنية ولا صداقة ولا جمال، من فقد الحب، فقد التذوق للحياة، ولا حياة بلا تذوق.
ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382