-A +A
محمد المصباحي «جدة»
رغم أن الفقيه والداعية يعملان في ذات الحقل لكن تخصصهما يختلف نظير علمهما المتفاوت.
فالفقيه يتصدى للفتوى ويبين الأحكام، وهو ذا مجال أعم، إذ يمكن له فوق إيضاحه للحقائق وإزالته للغموض وإطلاق أحكام التحليل والتحريم وفق ما جاءت به النصوص الشرعية أن يمارس الدعوة إلى الله.



أما الداعية فمهمته تقتصر على الترغيب والترهيب وهو أقرب إلى التذكير منه إلى كشف غموض مسائل الشريعة التي تحتاج إلى تبحر في نصوص الدين إذ يعمل وفق قول الله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
وأكد علماء وشرعيون أن كل عالم داعية، بينما ليس كل داعية عالم، مشيرين إلى ضرورة تفقه الداعية في الجانب الذي يدعو له قائلين: كل مسلم يمكن أن يطلق عليه داعية شريطة المعرفة والدراية فيما يدعو إليه ولو كانت في إطار البيت عند دعوة الأب لأبنائه.
وشددوا على أهمية ممارسة الدعوة في إطار الحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).
«عكاظ» تقصت الفروق بين العالم والداعية وحدود مجال عملهما فكان هذا التقرير:
بداية فرق المدير العام لمؤسسة والدة الأمير ثامر بن عبدالعزيز لتعليم الكتاب والسنة عبداللطيف باشميل بين الداعية والعالم قائلا: «الداعية كلمة عامة تطلق على كليهما»، مضيفا: «الداعية يذكر بأمور الدين ولا يشترط أن يكون من العلماء، وإنما يتفقه في جانب من الدين، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)».
وذكر أن الإمام محمد بن عبدالوهاب جاء في الأصول الثلاثة بأنه ينبغي تعلم أربعة مسائل أولها العلم ثانيها العمل به ثالثها الدعوة رابعها الصبر على الأذى في الدعوة.
وأضاف: «الدعوة تعني تعلم الإنسان بعض أمور الدين والدعوة إليها بعد العمل بها، ولا يشترط أن يكون عالما».
وبين أن العالم هو من تفقه في أمور الشريعة وتوسع في طلب العلم وعلى رأسه التوحيد فيأخذ العلم عن العلماء ويصبح بذلك عالما متفقها ومفتيا وداعية إلى الله سبحانه وتعالى.
الأصل واحد
أما الأستاذ في وزارة التعليم العالي الدكتور علي الشبل فبين أن العالم والداعية شأنهما في الأصل واحد، فلا يمكن أن يكون المرء عالما إلا بعلمه بالشريعة، كما أن الداعية لا يكون كذلك إلا بعلمه في مجاله الذي يدعو إليه، وفق منهاج النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).
وذكر أن الاستعمال المعاصر يفرق بين العالم والداعية والقاضي والمفتي وغيرهم، قائلا: «تفرقة وسائل الإعلام باتت على غير أساس لأن الداعية والعالم بينهما اشتراك وإن كانا مختلفين».
ولفت إلى أن القاضي عالم بما يحكم، وحكمه ملزم، أما المفتي فلا تلزم فتواه.
وذكر أن الواعظ يرقق القلوب ويذكر، مبينا أن دعواه لا بد وأن تبنى على علم.
وحذر العوام من استفتاء من برز في الدعوة قائلا: «ليس كل داعية أهل للإفتاء»، مضيفا: «من الخطأ استفتاء الداعية في كل شيء، لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)»، مستشهدا على ضرر الفتوى بغير علم، بقصة الجريح الذي توفي بعدما أفتاه البعض بوجوب الغسل من الجنابة.
الفرق واضح
المدير العام للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في محافظة جدة فهيد البرقي قال بعبارة بسيطة عن الفرق بين العالم والداعية: «كل عالم داعية، وليس كل داعية عالم».
وأشار إلى أن الداعية هو من يبلغ عن الله سبحانه وتعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية).
وأشار إلى أن للدعاة مراتب فمنهم من يؤثر على أسرته داخل المنزل ومنهم على أهل الحي الذي يسكن فيه، ومنهم مدينته، وآخرون يؤثرون على الوطن، وتكبر مسؤولية الداعي الذي يؤثر على العالم الإسلامي.
ونوه بضرورة أن يكون الداعي على معرفة وعلم لما يدعو إليه، مبينا ضرورة إلمام العالم بالكتب الفقهية والعلم الشرعي.
وأكد على ضرورة مخاطبة الداعية المستعين بالأسلوب الحسن لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم من ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).
وأضاف: «الداعية لا ينبغي أن يتصدر الفتوى»، معلقا بأن العلماء ورثة الأنبياء، إذ لم يورث الأنبياء درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم.
وزاد: «الدعوة في الوقت الحاضر بحاجة إلى مواكبة التكنولوجيا والاستفادة مما تتيحه وسائل التقنية العصرية».
يشترط العلم
ونفى الداعية الدكتور عوض القرني وجود فرق بين الداعية والعالم، لكنه بين أن الداعية لا يجوز له القيام بالدعوة إلا إن كان عالما بما يدعو له، لقول الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
ونوه بأهمية الدعوة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية).
وأشار إلى أن كل داعية ينبغي أن يكون عالما، مبينا أن حتى الأب داعية في بيته ولكن في المجال الذي يعلم به.
وذكر أن الدعوة حينما تكون في غير مجال الشريعة فإنها تنقلب على الإنسان، وتصبح وبالا عليه.
وشدد على ضرورة أن يعي العلماء بأن الدعوة تقع على عاتقهم ولا يمكن اقتصارهم على مجال الفتوى فقط.
ذات الحقل
من جانبه، أوضح الداعية محمد السالم أن الداعية والعالم كلاهما يعمل في ذات الحقل رغم اختلاف تخصصهما.
وذكر أن العالم يوضح اللبس في المسائل أما الداعية فيهدف إلى تحريك الهمم، كما يوضح جانبا مما تفقه به في الدين.
وذكر أن كليهما لا غنى عنه في شريعتنا، فهما بمثابة المكمل للآخر فالداعية يحرك الهمم، ومن ثم يبدأ الإنسان بعد ذلك في الحرص على دينه واللجوء بعد ذلك إلى رجال الدين للتفقه فيما أشكل عليه من المسائل.
وبين أن الداعية يمكن أن يطلق على أي مسلم أما المفتي أو الفقيه فلا تطلق إلا على الراسخين في العلم ممن أثنى ركبتيه في حلقات العلم، والتحق بالعلماء واطلع على أمهات كتب الفقه.
ونوه بضرورة تفريق العوام بين الداعية والعالم فلا يبلغ الداعية درجة العالم لئلا يلجأ الناس إليه في طلب الفتوى فيفتي بما لا يتوافق مع الدليل الشرعي.
وأضاف: «من الخطأ الفادح تداخل مهام الصنفين»، موضحا أن لكل منهما مهمته التي لا يمكن أن تلتبس على المطلعين في مجال الدين.
الكل داعية
من جانبه، ذكر الشرعي علي فواز أن العالم من تفقه في دين الله، وأورث صاحبه الخشية، كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وجاء أن الحسن قال: تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا، فإن السفهاء همتهم الرواية، والفقهاء همتهم الرعاية.
وفرق بين الفقيه والداعية فجاء أن الفقيه أشد الناس عذابا يوم القيامة إذا لم ينفعه علمه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع، وجاء عن الشافعي قوله لبعض أصحابه: العلم ما نفع، وليس العلم ما حفظ.
وزاد: «العالم ينبغي أن يكون داعية، والداعية يجب أن يكون عالما بما يدعو إليه، وفق قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ون اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)».
وأفصح عن أنه في الأزمنة المتأخرة غلب اسم العالم على من تصدر التدريس وإفتاء الناس، كما غلب لقب الداعية على رجل العامة المخالط للناس الذي يعطيهم وقته ويقيم أنشطة هدفها جمع الناس للتمسك بالإسلام واعتزازهم به، في حين جاء أن الواعظ، من يلهب القلوب بسياط تذكيره، ويغلب على أسلوبه الترغيب والترهيب.
وبين أن العلماء على درجات منهم العالم المجتهد المطلق ومنهم المقلد، وبين الدرجتين مراتب بحثها الفقهاء في باب الاجتهاد والتقليد.