-A +A
محمد أحمد الحساني
لو كان في حي ما من الأحياء في مدينة ما من مدن العالم مجموعة من الأشرار العتاة القتلة الذين لايتورع كل واحد منهم عن الإيذاء وسفك الدماء ولكن واحداً منهم يحظى بحماية أقاربه، ولا تستطيع يد العدالة الوصول إليه في الزمن الحاضر على الرغم من ولوغ يديه في الدماء الزكية، أما غيره من الأشرار فقد امتدت إليهم يد العدالة وأوقفوا أمام القضاة لمحاكمتهم بتهمة القتل والإسراف فيه، وارتكاب جرائم ضد الإنسان والإنسانية، فهل يجوز لكائن من كان الدفاع عن المجرم القاتل المقدور عليه والمطالبة بالتسامح معه وإطلاق سراحه وعدم إيقاع أية عقوبة ضده بحجة أن المجرم الآخر المحمي لم تصل إليه يد العدالة ولم يقدم لمحاكمة ولم يسأله أحد عما يفعل وما ارتكبه من جرائم تماثل أو قد تزيد عن جرائم المجرم غير المدعوم؟!

إذا أخذنا بهذا المنطق الأعوج السقيم فإن أي مجرم على وجه الأرض سوف يأتي محاموه بأمثال، بل بعشرات الأمثال لمجرمين آخرين أفلتوا من يد العدالة لأنهم مدعومون أو أقوياء وأن معنى ذلك أن ينجو ذلك المجرم القاتل من العقاب بسبب هذا المنطق الأعوج!، أما المنطق السليم والقويم فهو أن يتم تقديم أي مجرم قاتل للعدالة والقضاء سواء استطاعت يد العدالة الوصول إليه لأنه غير مدعوم أو لم تستطع الوصول إليه لأنه مدعوم فتكون المطالبة السوية بالقصاص العادل من جميع المجرمين ورفع الغطاء عن المدعومين منهم والإصرار على ذلك ورفع العقيرة به، وعدم تبرير جرائم المجرمين الذين يقعون في قبضة العدالة والقضاء لأن غيرهم محمي أو لم يقع!؟

هذه الصورة البسيطة يمكن تكبيرها قليلاً أو كثيراً لتطبق على نحو أوسع من مجرد أشرار في حي ما من الأحياء، فقد لاحظت خلال محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشركاه!، أن بعض المتحدثين عن المحاكمة في القنوات الفضائية يخلطون بطريقة عجيبة بين محاكمة صدام على جرائم منسوبة إليه وإلى نظامه البائد، وبين كون مجرمين آخرين مثل زعماء الصهاينة لم يحاكموا على جناياتهم مستنكرين أن يحاكم صدام، داعين إلى وقف محاكمته وإطلاق سراحه مادام أن مجرمين صهاينة كان آخرهم شارون لم يحاكموا؟! وهذا المنطق الأعوج لا يقره عقل ولا منطق، فإما أن يكون صدام قد ارتكب بعض أو جميع ما نُسب إليه، فهو عندها يستحق العقاب البشري والإلهي بغض النظر عما إن كانت يد العدالة لم تستطع الوصول إلى غيره من المجرمين، وإما أن يكون بريئاً مما نُسب إليه وعندها لا تجوز معاقبته وإيذاؤه وإهانته، وفي جميع الأحوال فإن تبرير عدم الوصول إلى مجرم ما لحماية وتبرئة مجرم آخر أصبح في قبضة العدالة، هو تبرير ساقط غير أخلاقي، وإنما على أصحاب هذه الدفوع المتهافتة البغيضة إن أرادوا خدمة الحق والعدل، أن يطالبوا بأن تكون المحاكمة عادلة حقاً حتى بالنسبة لمن يتهم بالإجرام وتنسب إليه الفظائع وأن يطالبوا أيضاً بألا يُستثنى مجرم من المحاكمة والعقاب، وفي مضمار مقارب فلو أن عصابة من العصابات ارتكبت لردح من الزمن أعمالاً ضد الناس، ثم رأى أحد أفرادها أن يقدم نفسه شاهداً على جرائم العصابة زاعماً براءته مما ارتكبته العصابة من أعمال قتل واغتيال وفساد في الأرض فلا ينبغي تضييع شهادته ضد العصابة بالتساؤل الساذج عن دوافعه وأهدافه ومن يقف وراءه وكيف أنه يُدين رفاقه غير الأحرار وهو مثلهم أو أكثر جرماً منهم، بل ينبغي الاستفادة من شهادته ضد بقية أفراد العصابة للتأكد من صحة ما نُسب إليهم مع عدم تناسي أنه واحد منهم!، أما مايحصل حالياً من غوغاء حول مثل هذه الأمور فإن هذه الغوغاء تصب للأسف الشديد في صالح المجرمين؟!