-A +A
عزيزة المانع
يبدو أن الطابع العام الذي يصبغ الغالبية من أفراد المجتمع هو الجوع الى الحب، فالحاجة الى الاشباع العاطفي، تكاد تكون سمة غالبة على كثير من الناس، يؤكد هذا ما يظهر منهم من تعطش الى ذكر الحب، واستمتاع بالحديث عنه والتلذذ بأخباره، حتى بات ذلك عاملا مشتركا بين الكثير منهم لا فرق في هذا بين كهولهم ومراهقيهم.

ومن حين لآخر تصل اليَّ (طلبات) من القراء تحثني على الكتابة عن الحب وترك ما هو غيره، معللين ذلك بأني أكتب أفضل ما أكتب عن الحب.

ولا أدري إن كان ما يقولونه حقيقة أم هو الوهم صور لهم ذلك.

أشعر أن هناك جوعا عاطفيا يكتنف صدور فئة كبيرة من الناس في هذا المجتمع فيدفع بهم الى تلمس العبارات الحانية، والطرب لسماع الحكايات الرومانسية، والتغني بما رق وعذب من المشاعر، وربما تفاقم الجوع ببعضهم حتى يبلغ درجة السقوط عند أول عبارة إعجاب تطرق أذنه أو ابتسامة رضا تلمحها عينه، فهل لنمط التربية الذي نربي عليه أولادنا أثر في ذلك؟ أم أن ثقافة المجتمع الجافة لها دور في تشكيل هذا الجوع العاطفي؟ أم أن الاثنين معا يسهمان في ذلك؟

غني عن القول إن الحاجة الى الحب هي غريزة في الانسان، وهي من الحاجات الاساسية في البشر، وفي مرحلة الطفولة والمراهقة تكون هذه الحاجة في ذروتها، فالطفل والمراهق أكثر ما يكونان حاجة الى أن يجدا ذلك الحب لدى الوالدين والمعلمين أو غيرهم من الكبار الذين يتولون الاشراف عليهما والرعاية لهما، لكن كثيرا من الأسر لا تكترث لهذا فيتم في داخلها التعامل مع الأطفال بأسلوب مغاير فيه كثير من جفاف العواطف، مرة بحجة عدم التدليل، ومرة بحجة ان الحب في القلب وفي اشباع الحاجات المادية، وليس في لفظ رقيق أو ضمة حانية، أو غير ذلك من الحجج التي تنتهي كلها الى أن لا يجد الطفل ما يحتاج اليه من اشباع عاطفي حتى وإن لبيت احتياجاته الأخرى، فينشأ وعنده جوع الى الحب.

وهناك احتمال آخر، أن ثقافة المجتمع الجافة لها دور في وجود هذا الجوع، فثقافة مجتمعنا، مع الأسف، هي ثقافة ينقصها كثير من الحب، ثقافة يكاد يختفي فيها التعاطف مع مشاعر الاخرين أو التفاعل برفق فيما بينهم، ثقافة تطغى فيها صور الكراهية فوق صور المحبة حتى باتت ميدانا تنشط فيه ثقافة النقد الجارح، والاتهام السريع، والقسوة في الحكم، وتكاد تضمحل منه سمات المغفرة أو التغافل عن الاساءات أو حمل الأمور على المحمل الحسن.

هل نقصان كمية الحب في ثقافة المجتمع له صلة بذلك الجوع العاطفي الذي يكتنف الناس من حولنا؟

متى نشبع حبا وكيف؟

ص.ب 86621 الرياض 11622

فاكس 4555382