-A +A
فؤاد مصطفى عزب
يستقبل بريدي العديد من الرسائل منها ماهو جاد ومنها ماهو ساخر ومن حين لآخر تصلني رسالة تفرض علي ممارسة فضيلة التأمل حيث تحمل بين طياتها مغزى هاماً ومعنى عميقاً هذه الرسالة التي أشارككم اليوم أياها وصلتني باللغة الإنجليزية من زميل أراد أن أشاركه محتواها ولما فيها من مسحة حزن بنفسجي وبكاء ووفاء احببت أن اترجمها لكم فهي أمضى من وجع وتر حزين !! تروي لنا إحدى ممرضات قسم الطوارئ بأحد المستشفيات عن واقعة حقيقية حصلت لها خلال ساعات الصباح الأولى في مقر عملها تقول الممرضة بأن ذلك الصباح كان من أحد أكثر الصباحات نشاطاً فلقد كان قسم الطوارئ يعج بالمرضى والمراجعين عند الساعة الثامنة والنصف دخل رجل طاعن في السن يبلغ من العمر حوالى الثمانين يحتاج لفك غرز عملية سابقة كانت قد أجريت لإبهامه.. حال وصوله أبلغنا بأنه في عجلة من أمره لأنه ملتزم بموعد هام عند الساعة التاسعة تماماً.. توجهت للرجل وطلبت منه أن يجلس على اقرب كرسي وينتظر لأن فترة انتظاره ربما ستستغرق حوالى الساعة حتى يستطيع أحدنا القيام بالمهمة التي جاء الرجل من اجلها.. انتهيت لتوي من معالجة مريض آخر ثم التفتُّ نحو الرجل الطاعن في السن فوجدته يكرر النظر في ساعته.. قررت لحظتها أن أتوجه فوراً للكشف على جرحه وبينما كنت أقوم بالكشف على إبهامه وإجراء مايلزم من فك للغرز وتغيير الضمادات دار بيني وبينه الحديث التالي: قلت له يبدو عليك أنك في عجلة من امرك !! هل لديك موعد مع طبيب آخر قال الرجل لا ولكن علي اللحاق بموعد الإفطار مع زوجتي التي تعيش في احدى دور الرعاية.. قلت آآهـ.. وهل زوجتك بصحة جيدة قال في الواقع زوجتي تعيش هناك منذ زمن وهي تعاني من مرض «الزهايمر» قاربت على الانتهاء من وضع الضمادات الجديدة واكملت حديثي معه متسائلة هل تظن بأنها ستقلق عليك بعض الشيء لو تأخرت عن موعدك قليلاً رد الرجل لم تعد تعرف من انا منذ فترة فهي لاتستطيع التعرف علي منذ حوالى الخمس سنوات أذهلني رده فبادرته بقولي.. ومازلت تواظب على الذهاب إليها كل صباح بالرغم من عدم قدرتها على التعرف عليك !! ابتسم ثم ربت على يدي وقال «هي لاتعرفني.. ولكني مازلت اعرف من هي !!» خنقتني العبرة وحاولت جاهدة ألا أدعها تفر من مقلتي وشعرت بقشعريرة تخترق عظم ذراعي كالسهام... سبحت في فضاءات فكري وقلت لنفسي.. هذا هو الحب الذي أبحث عنه طوال حياتي هذا هو كل ماتحمله كلمة «حب» من معنى.. انتهت رواية الممرضة.