-A +A
عزيزة المانع
بيني وبين التفاح عدم مودة قديم، وما كان ذلك أمراً يستحق الذكر لولا أن عدم مودتي للتفاح جعلني متيقظة أمام كل ما يذكره الناس عن التفاح مما فيه تضاد مع موقفي منه.
التفاح يكاد يكون من أكثر الفواكه التي حظيت بحب الناس وتدليلهم، فتغنوا بمذاقه ما طاب لهم، وتغزلوا بمظهره ما أطاعتهم القريحة، وبلغ من حبهم له أن شبهوا الحبيب به، وربطوا بينه وبين كثير من الأشياء في حياتهم. التفاح لم يقتصر أثره في حياة الناس أنه يملأ أمعدتهم وتتلذذ بمذاقه ألسنتهم، وإنما صار جزءاً حياً في لغتهم، وهناك كثير من التعبيرات والأقوال والأمثال والأساطير التي خص بها التفاح فحكيت حوله ونسجت من وحيه، مما يؤكد قوة تغلغل التفاح في حياة الناس.

وفي الأخبار أن الإغريق بلغ من تقديرهم لبؤبؤ العين الذي هو موضع الإبصار ومكمن ما تخفيه العين من أسرار، أن سموه (تفاحة العين) إشارة إلى عظم قدره وجلالة مكانته في حياتهم، وامتد ذلك إلى يومنا هذا حيث صار الناس يشيرون إلى الشخص الذي له مكانة خاصة ومميزة في قلوبهم بقولهم (تفاحة عيني)، دلالة على مدى حبهم له وأهمية وجوده في حياتهم.
وفي أمريكا يلقبون مدينة نيويورك (التفاحة الكبيرة)، ربما لكثرة ما فيها من فرص النجاح، وفي علم التشريح يسمى مقطع صغير بارز في عنق الرجل (تفاحة آدم) وقد يكون ذلك تخيلاً من الناس أن آدم لما ابتلع تلك التفاحة المشهورة غص بها فتوقفت في بلعومه بارزة. وهناك الأسطورة الشهيرة حول قدرة التفاح على حمايتك من الأمراض (تناول تفاحة كل يوم يبعد عنك الطبيب)، (مالم يكن الطبيب أو الطبيبة (حليو) فانسوا مسألة التفاحة).
أما في المصادر العربية فإن الجاحظ ألف كتاباً عن التفاح أسماه (كتاب التفاح) وكذلك فعل الوشاء، ورغم أن الكتابين يعدان مفقودين فلا ندري ما الذي احتوياه عن التفاح، إلا أننا نجد في غيرهما من كتب التراث زخماً عظيماً مما نسجه العرب حول التفاح، فهم يضربون به المثل في ذكر حلاوة الشيء، ويشبهون به خد الحبيبة، وبلغ من تقديرهم للتفاح أن جعلوه هدايا يتهادون بها فيما بينهم، وما أكثر الأخبار التي وردت في الأغاني والعقد الفريد وغيرهما من كتب التراث عن هدايا التفاح، وهي هدايا مميزة من ميزتها أنها لا تزيد في العدد عن تفاحة واحدة، وغالباً تكون مزينة ببيت من شعر أو بعبارة من عشق كما فعلت إحدى جواري المأمون لما أحست منه جفوة تجاهها فوجهت إليه بتفاحة من العنبر مكتوب عليها بخط الذهب: «يا سيدي، سلوتَ؟».
لكن التفاح رغم ما يقوله الناس عنه من جمال المنظر وحلاوة الطعم وزكاة الرائحة، هو فاكهة مخادعة، فالتفاحة قد تبدي لك ظاهراً نضراً جذاباً وهي تخفي في باطنها فساداً يعيث فيه الدود، فهل يمكنك الوثوق بها أو الاطمئنان إليها؟
ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382