-A +A
فؤاد مصطفى عزب
« بروك شيلدز» الممثلة الأمريكية الأرق من الماء ذات الجمال الأشقر الخلاب الذي منحها الشهرة في الثمانينات أنجبت طفلة أسمتها «روان» تبلغ من العمر حالياً ثلاثة أعوام واجهت بشجاعة تجربة «اكتئاب ما بعد الولادة» الذي أصابها بصورة حادة بعد مجيء ابنتها الوحيدة إلى الحياة. تصف «بروك» حالتها في كتابها الذي أصدرته وتحكي فيه قصتها بعنوان «وسقط المطر» والعنوان جزء من أغنية كُتبت للأطفال في مسلسل «بارني» الديناصور الأرجواني الأليف الذي يعشقه الكثير من الأطفال. تذكر «بروك» كيف اصيبت بنوبة اكتئاب عسيرة العلاج .. تقول: «دخلت تجربة لم أستعد لها حولتني إلى امرأة مشوشة فقدت الأمل في أن يظهر أي إنسان يعيد صفاءها إليها واستسلمت للدمع المر والأمل الذي لايأتي والأحلام المستحيلة .. أصبحت كآبتي أكبر من كيس رمل وصار الألم ينخر في رأسي كدودة نشطة وخلت الحياة من كل نشوة ملموسة، أصبحت اتألم من أشياء أصغر مني وأجرجر قدمي اللتين تنوءان بثقل ذاتي أحمل هماً ثقيلاً ووجعاً في الروح وكآبة بحجم التلال .. أصبحت كل الطرقات التي أتبعها لاتؤدي إلا إلى البكاء كان الحزن يهب في جميع الإتجاهات كالريح الهوجاء أحس بمرارة تعتريني والسكون يعم عالمي، كان قلبي يسيل على ابنتي فجحيمٌ أن تحب مخلوقاً قريباً منك ولاتستطيع أن تلمسه واختفيت عن أصدقائي كمن يختفي في غابة، كنت أبكي بعيدة عن الناس لم أكن أريد أن أكون عنواناً للرثاء، وهجر الكلام فمي كان الفراغ يكبر ويفتح فكيه على سعتهما ويطبق علي وأصبح الملل يحتل حتى فنجان القهوة .. أصبحت الأيام بالنسبة لي بمثابة اطالة حياة لمحتضر يتوسد فراش النهاية .. كنت أتلوى في الليل في فراشي كحزمة من الثعابين السمراء أعيش أرقاً أبدياً لانهاية له .. كان صوت طفلتي يخلع شرايين قلبي ويحفر سمعي ولكني فقدت حاسة الإهتمام لم اكن أهتم بأحد .. كنت أفر من الجميع كما تفر الذبابة من فتحة الشباك، كنت أعيش وحدة قاسية ساكنة سكون مقبرة كحيوان مطمور في كهف، كانت الشمس تشرق فلا أشعر بها وتغرب دون ان أنظر إليها، أصبحت كسور الحقل الخشبي الذي احنت قامته الريح .. أقسى شعور يواجه المكتئب هو الوحدة التي تسحق كامل الذات وتزداد كثافة هذا الشعور بالوحدة للحد الذي يتصور أن المخلوقات كلها هجرت الأرض وبقي وحده فيها لايسمع حساً ولايقع بصره على غصن يرتعش، هكذا كان حالي في الأيام التي سبقت شفائي، أصبحت حياتي أضيق من ظلمة وتحولت إلى قارة حزن من الدموع .. واكتشفت مع الوقت أن الهروب الدائم لايفيد وان المحاولات الفردية الذاتية التي أمارسها ماهي إلا سير فوق الماء لاتقود إلى شيء وانني احتاج فعلاً إلى مساعدة متخصصة وهذا ما انصح به كل ام تتعرض إلى بلاء «الاكتئاب بعد الولادة» وخضعت للعلاج بالعقاقير والجلسات النفسية المتتابعة وصحوت فجأة بعد العلاج كأن أمطاراً هطلت علي بغتة أو كأن شخصاً رمى بجردل ماء سماوي على جسدي النائم وأفقتُ.. كانت الشمس تنفذ من زجاج النافذة وتنصب على وجهي وبدأ النهار وعادت الحياة .. هاهي الحياة تدب في أوصالي من جديد شكراً يارب» .. الكتاب تجربة حقيقية «لاكتئاب ما بعد الولادة» ووصف دقيق لهذا المرض الذي يأتي بلا استئذان ونصيحة من مجرب وليس من طبيب بأهمية العلاج النفسي وقدرته على إزالة الألم وتخفيفه والقضاء عليه ودوره كعلم أساسي في علاج الإنسان!!