-A +A
عزيزة المانع
تفاجئني بين حين وآخر بعض طالباتي بالسؤال عن سبب بقاء بعض الأوضاع الرديئة في المجتمع وعدم تغيرها إلى ما هو أنفع وأفضل، رغم أن كثيرين يقرون بسوئها ويتوقون إلى إصلاحها؟ ما يثير استغراب هؤلاء الطالبات هو كيف يقر المجتمع برداءة أمر ما ثم يتركه يسود ويسيطر على الحياة فيه!
لعله من نافلة القول، أنه لا يكفي لحل مشكلات المجتمع وتغيير حاله إلى ما هو أفضل، أن يتم تبين الضلال فيه، أو أن يفكر المفكرون وينظّر المنظّرون في بحث عن الحل، فالأفكار لا تكتمل إلا بالتطبيق المناسب لها، والتطبيق لا يملكه المفكرون ولا يقوم به المنظرون فهو ليس من طبيعة عملهم ولا يدخل في اختصاصهم، فالتطبيق موكول أمره لأصحاب النفوذ ومن بيدهم الصلاحيات.

وما يبرز واضحاً في المجتمع، أن هناك تباعداً كبيراً وفجوة عميقة تفصل ما بين المفكرين والمنظرين وبين أصحاب الصلاحيات، فكل منهم يعمل منفرداً وربما في جانب مغاير للآخر، ولعل هذا ما يجعلنا نسمع بين حين وآخر تلك الاتهامات التي توجه من بعضهم إلى البعض الآخر، حيث يعتقد كل منهم أن الآخر مقصر. المنظرون والمفكرون يرون أن ذوي الصلاحية لا يعملون من أجل الإصلاح والتغيير وأن عملهم يصب في مساقط هامشية غير ذات جدوى، وأصحاب الصلاحيات يرون في المنظرين والمفكرين جماعة خيالية يتحدثون من أبراج قصية نائية عن الواقع، فلا يحسبون حساب ما يعترض تطبيق أفكارهم من عراقيل وعقبات يستحيل معها التغيير أو تطبيق ما ينظمونه من رؤى وأفكار.
ورغم أن هذا التباعد في الرؤية بين المفكر والمنفذ، يمثل الطبيعة البشرية التي من سمتها أن الإنسان لا يرى ولا يصدق سوى ما يعيشه ويحسه وما عدا ذلك يعتريه الشك فيه، أو على الأقل لا يدركه تمام الإدراك. رغم ذلك، إلا أن هذا التباعد في النظرة بين مفكر ومنفذ، يظل يشكل حاجزاً عالياً يفصل بين الاثنين فلا تدور العجلة بيديهما كليهما ويبقى أمر إدارتها موكولاً إلى واحد منهما فقط فلا تتحرك في الاتجاه الصحيح كما ينتظر منها.
فاكس 4555382