-A +A
عزيزة المانع
تعد الجامعات في أنحاء العالم عامة وفي العالم الثالث خاصة المنار الأول الذي يشع منه ضوء العلم والثقافة والحضارة على المجتمع، وهو ما يحمل الجامعات مسؤولية ضخمة تجاه مجتمعاتها.

بيد أن الحرية الأكاديمية لا يمكن ضمانها للجامعات دون دعم من المجتمع، فالمجتمع الذي ينتظر الكثير من جامعاته عليه أن يكون أرحب صدراً وأكثر استعداداً لتقبل المختلف والغريب، وأن لا يفرض على أساتذة الجامعات أو الباحثين فيها تصوراً واحداً، عليهم جميعهم أن يديروا فكرهم في حدوده لا يخرجون عن ذلك مقدار شعرة.

ويبدو أن ضغط المجتمع على المفكرين هو جزء من تركيبة المجتمع نفسه، ولا علاقة لذلك بمعرفة أو بحق أو باطل، فمنذ أواخر القرن الرابع قبل الميلاد والمفكرون يعانون من ضغوط المجتمع وسعيه إلى إلجامهم وحصرهم في دائرة رؤيته وحدها، ولعل أشهر من عانى من الاضطهاد الفكري آنذاك سقراط الذي اتهمه مجتمعه بإفساد الشباب الاثيني وسقيهم أفكاراً تقلل من شأن العقائد والأخلاق والقيم السائدة. وغني عن القول إن ضغوط المجتمع واشتداد الصراع الأيديولوجي فيه يشكلان بيئة غير صالحة للنمو الفكري، فيعتري الفكر الذبول ومن ثم الخمود.

والحرية الأكاديمية هي فرع من الحرية الفكرية. وهي تعني فيما تعني حرية البحث العلمي، فمما يتسم به البحث كونه غالباً يتصل بقضايا جدلية تتعلق بالدين والسياسة وبثقافة المجتمع الذي يتم في داخله، ولهذا يتعرض البحث العلمي في بعض الأحيان لقيود كثيرة تفرض عليه فتحد من نموه. كذلك مما تعنيه الحرية الأكاديمية اطلاق حرية الأستاذ الجامعي في البحث والتدريس لكافة القضايا ذات الصلة بتخصصه دون تدخل من أحد، كما أنها تعني إطلاق حريته في أن يناقش مع طلابه القضايا الجدلية التي تتعدد الآراء حولها وتختلف نظرة الناس إليها، وهو في هذا كله له الحق في الحماية من التعدي عليه سواء من داخل أو خارج الجامعة.

إلا أن الحرية الأكاديمية، مع هذا، لها شرط جوهري هو أن يكون الأكاديمي ملتزماً مدركاً تمام الإدراك لمعنى الالتزام، فعندما تكون هناك حرية ولا يكون هناك التزام فإن الأمر يتحول إلى فوضى وهنا يمكن القول إن الحرية الأكاديمية لا تقوم إلا عند توفر ظروف بيئية يلتقي فيها الالتزام من جانب الأكاديمي والدعم من جانب المجتمع.

المجتمعات الواعية تثق في جامعاتها فتدعم استقلالها الفكري وتساند حريتها في البحث والاكتشاف.

ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382