-A +A
فؤاد مصطفى عزب
عندما أصدر الدكتور «كلود جوبلير» طبيب الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران كتابه «السر الكبير» أثار ضجة كبيرة في كل الأوساط السياسية والشعبية، لأنه تناول فيه مرض الرئيس ميتران وكشف عن أنه كان مصاباً بمرض أخفاه منذ شهر نوفمبر 1981م أي بعد نحو ستة أشهر من انتخابه لولايته الأولى. وكانت ردود فعل الضجة التي أثارها الكتاب إدانة الدكتور «كلود جوبلير» باعتباره خان مريضه وحنث بقسم «ابقراط» الذي يُوجب على من يمارس مهنة الطب أن يحافظ على سرية داء مريضه أياً كان هذا المريض حتى بعد وفاته.. ولقد تم سحب الكتاب من الأسواق بعد حكم المحكمة بمصادرته بناءً على طلب ابني الرئيس الراحل وزوجته كما رفع كل هؤلاء دعوى ضد مجلة «باري ماتش» التي نشرت فقرات من الكتاب وأيضاَ صوراً للرئيس ميتران التقطت خلسة وهو على فراش الموت وقالت اسرة ميتران للقضاء الفرنسي إن نشر هذه الصور يتناقض مع أي معايير أخلاقية وإخلال خطير بمبدأ احترام الواجب تجاه الموت .. وما حدث للدكتور «كلود جوبلير» الفرنسي حدث لطبيب آخر روسي يدعى «يفعيني سازوف» الذي نشر كتاباً مشابهاً أطلق عليه «الصحة والسلطة» استعرض فيه اسرار مرضاه المشاهير واستخدمها كمادة للكتاب وتعرض الكاتب والكتاب للنقد الشنيع في حينه، وذلك لاستغلال الطبيب أسرار مرضاه وانتهى الأمر بأن صودر الكتاب وعوقب الكاتب، وكان تعليق القاضي «إنها خطوة لابد منها» وفي الأسواق حالياً الطبعة الرابعة من كتاب لايختلف كثيراً عما ذكرت لطبيب عربي كان ضمن الفريق الطبي الخاص للرئيس صدام حسين أطلق عليه «كنت طبيباً لصدام» يتعرض فيه إلى جانب جميع الأسرار المرضية للرئيس صدام حسين لنظام حكمه وحياته الشخصية وحياة أسرته وأقربائه، ومن وجهة نظري أن الإجراء الذي اُتخذ بشأن ماكتبه كل من الدكتور «كلود جوبلير» الفرنسي والدكتور «يفعيني سازوف» الروسي يجب أن يسري على كتاب «كنت طبيباً لصدام» وذلك من مبدأ أن التزامات الطبيب -بغض النظر عن جنسيته وموقعه الجغرافي- متشابهة بل وتلزم الطبيب أياً كان ومهما كانت المدرسة الطبية التي ينتمي إليها بالحفاظ على أسرار مريضه فالمريض عندما يثق بطبيبه ويأنس له تدفعه الثقة والرغبة في التخلص من الألم إلى أن يفضي إليه بأخص أسراره ويطلعه على ما لم يطلع أحداً عليه وقد يكون هذا السر عميقاً في حياة المريض وينتظر من الطبيب أن يراعي هذه الثقة وأن يكون أميناً على هذا السر بحفظه ورعايته، فلايطلع أحداً عليه مهما امتد به الزمن حتى بعد وفاة المريض. لذا فمصادرة «السر الكبير» و«الصحة والسلطة» بادرة حسبت لصالح القضاء في كل من فرنسا وروسيا اللذين اعتبرا التزام الطبيب بالحفاظ على سر المريض ليس التزاماً أخلاقياً فقط بل هو التزام «قانوني» أيضاً وأن الفرد المريض إن لم يضار في مثل هذه القضايا إلا ان المصلحة العامة أضيرت، وذلك بالإساءة غير المباشرة للعلاقة الإنسانية الأزلية والمميزة وهي علاقة المريض بالطبيب.