-A +A
محمد أحمد الحساني
كنت قد كتبت عن غربان جدة البالغ عددها نصف مليون طائر فاحم مقالاً تحت عنوان «ما الذي جاء بها من بلاد واق الواق»؟ فقلت فيه آراء وتوقعات مختصين أشاروا فيها إلى احتمال وصول هذا الطائر إلى جدة خلال رحلة الشتاء من القارة الهندية إلى افريقيا أو عند عودته صيفاً من القارة نفسها إلى موطنه الأصلي في الهند، وأنه قد وجد في جدة ذات الموقع المتوسط بين القارتين بيئة مناسبة لتكاثره ونمو عدده من مئات إلى مئات الآلاف حتى أصبح مصدر خطر على البيئة والسكان، كتبت عن الغربان، فهاتفني صديق ومسؤول قيادي سابق في بلدية جدة، مقدماً لي معلومات جديدة وبغيضة عن غربان دردبيس البحر الأحمر!، ومن تلك المعلومات أنه قد سمع أن الفوج الأول من الغربان قد جاء إلى جدة بفعل فاعل!، في عهد أمين أسبق، حيث لوحظ تكاثر الفئران والجرذان في «خشاخيش» الكورنيش وتضخم حجمها إلى درجة أنه يمكن في حالة المبالغة أن يُقال إن الجرذ يستطيع بارتياح جر عربة «كارو» صغيرة الحجم!، وأمسى بعض الأهالي يفاجأون عند جلوسهم عصراً أو مساءً على حافة الكورنيش بجرذ أدهم يستعرض عضلاته أمامهم ويرفرف لهم بشواربه وكأنه يقول لهم: هل من منازل.. هل من مبارز.. يوم الهزاهز؟! فإن كان في الجلوس نساء وأطفال رُوّعوا من هجمة الجرذ وصاحوا وناحوا وقلبوا الصحون والزبادى، وإن كان في الجلسة نشامى وماجدات فإن كوكبة من التلاليك والأحذية والحجارة سوف تنهال على الجرذ المتحدي فإما أن يهرب الجبان المحتال، أو يلقى حتفه في الحال، ففكر رجال الأمانة في ذلك العهد وقدروا فهداهم تفكيرهم إلى أنه لا يفل الحديد إلا الحديد وأن تلك الجرذان الطاغية تحتاج إلى طيور جارحة تنقض عليها وتفتك بها، ووقع الاختيار -لأسباب غير معروفة- على الغربان لتقوم بهذه المهمة فجيء بأعداد منها عن طريق بعض الهنود والسنود وأطلقوها في فضاء جدة على حين غفلة من أهلها، ولم يمض وقت طويل حتى تكاثرت وتضاعف عددها مئات الأضعاف متغذية على لحوم وشحوم الجرذان وعلى بقايا الأطعمة والنفايات وعلى أشياء أخرى!
ويؤكد أخونا أن المعلومات التي تجمعت لديه تؤكد أن الغراب طائر ذكي يصعب صيده بالطرائق المعتادة التي تصاد بها الطيور الغبية أو الأقل ذكاءً، ولذلك فإن محاربة نصف مليون غراب تحتاج إلى جهد مخطط وذكي وجدي ومتلاحق، ويروي قصة لزميل له كان يدرس في ولاية أمريكية تكثر فيها الغربان فرأى على مقربة منه سرباً محلقاً فأخذ يقلد أصوات الغربان من باب التسلية، فإذا به يرى السرب قد تحلّق على شكل دائرة واسعة تضيق كلما اتجهت نحوه، فما كان من «أبي عنتر» إلا أن ركب سيارته ولاذ بالفرار عاقداً العزم على ألا يسخر من أي إنسان أو حيوان أو طائر بعد ذلك اليوم.

وهذه الطرفة المروية عن طريق «العنعنة» يمكن أن تصبح ضمن زاوية صدق أو لا تصدق!، ولكن من يقرأ الكتب التراثية المؤلفة عن الحيوان يجد فيها حكايات غريبة وعجيبة.. ولله في خلقه شؤون..!