-A +A
فؤاد مصطفى عزب
لايخشى الإنسان منا شيئاً في حياته كما يخشى الإصابة بالسرطان.. نبأ الإصابة بالسرطان يحول الإنسان إلى شعلة من العذاب ويجعله يشعر أن كل شيء خانه في الحياة وتتحول الدنيا إلى ترقب وخوف وخرائب ووحشة وانكسار ودموع زجاجية ويفقد المصاب القدرة على التفكير والتركيز ويتساوى لديه الليل بالفجر ويجتاح القلب الجحود فتصبح جميع المسارات مسروقة.. فالسرطان فعلاً يصادر الأفراح والكبرياء فهو مرض خسيس من شيمته الغدر يبتلع فجأة كل شيء ويجتاح الإنسان في طرفة عين فيحوله إلى مخلوق ضعيف فأعتى الرجال الذين عرفناهم قوة ما إن اصابهم السرطان حتى تحولوا إلى كثيب رملي وأقفلوا على أنفسهم باب غرفة الحياة وعاشروا الصمت الأخرس وعاقروا الفراغ الكوني واصبحوا يحدقون في الجدران بعينين مستفهمتين فيهما ضياع أليم: لماذا أنا!! فعلاً لماذا هو فهو أحياناً يدفع ثمن أخطاء لم يرتكبها «كالورثة».. كان هذا جزءاً من حديث المريضة الإستثنائية الدكتورة سامية محمد عبدالرحمن العمودي التي وقفت بكل هدوء وأدب ونظرت إلى مستمعيها من اليسارإلى اليمين ثم قالت في حديثها- ضمن الوفد النسائي السعودي إلى المستثمرات العربيات- الذي كان ينزلق على الأفئدة كانزلاق قطرات الندى على الزجاج.. أنا سامية محمد عبدالرحمن العمودي أنثى وامرأة عاملة وطبيبة أعرض عليكم هنا تجربتي مع السرطان لعلكم تتشاركون معي في تغيير معالم الواقع الصحي للمرأة كان الاهتمام والإصغاء والتركيز والاحترام الشديد لما تقوله يكتسح القاعة فسامية رفضت أن تصبح تجربتها نسياً منسياً فما ان انتقلت إلى بر الأمان بعد معاناتها مع السرطان حتى احتفلت بالنجاة على طريقتها؛ فتحت النوافذ وأخرجت ذراعها وبسطت كفها لكل مصاب وأصبحت ترى الشارع أوسع مما هو وصارت تحفر حتى سطح الماء لتزرع النخيل وعادت تحدق في السرطان على طريقتها من جديد قررت أن لاجدوى من البكاء لم يشدها السرطان كغيرها للخلف لم يفقدها النطق رفضت حتى قيلولة الظهيرة صارت تتأمل العالم من الشرفة وجعلت الحياة تضج في قلبها من جديد روح سماوية ملأت قلبها وغدت حية أكثر من الحياة تفيض بالنور الذي يحرق كل شيء حتى السرطان النور يحرق الأحزان والألم ويحول كل شيء إلى فعل، تحولت سامية إلى بيت مفتوح لايغلفه الغموض تعترف بخطئها انها كان عليها أن تمارس الفحص المبكر ولم يحدث «ما أصعب أن نلبس ثوب الصدق» ولم تقف هناك فوق رصيف الوهم تقول سامية «يجب أن نعترف لتشرق الشمس» ولقد أشرقت الشمس على سامية ولم تكن أنانية فشاركتنا الرزق أخذت تصب ماء الوعي في صحون مغلفة وترسلها كل يوم حتى باب كل مصاب وتوزع الرسائل عبر الجوال كعلب الكرتون الذهبية «لاتنسوا الفحص المبكر للسرطان حتى لاتكونوا أنا عام مبارك» وبدأت ولم تقف فبرنامج «رسائل حب» الذي يبث في حلقات مدة كل حلقة 14 دقيقة في قناة أقرأ والذي تظهر فيه سامية كوردة متفتحة يملأ اريجها الحديقة وتنقله الرياح إلى الأطراف البعيدة ما هو الإ دعوة بسيطة لأن تكون كل امرأة شريكة في التجربة تقول سامية في إحدى حلقاتها أصبح الناس في هذا العصر شركاء في أربعة الماء والهواء والضغط النفسي والسرطان.. وعادت للتدريس عادت لبيتها القديم جامعة الملك عبد العزيز كلية الطب «حيث التقينا» لتعطي لتلميذاتها خبرتها عن طيب خاطر فسامية تؤمن بأن العالِم لابد أن يذوب في مجتمعه يعطيه عقله وتجاربه وأن الحفاظ على صحة الإنسان من الإسلام وان توعية الناس بأمور دنياهم ما هي إلا عمل بقوله عزوجل }ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة| وفي احتفال قناة الـ(MBC) بالحلقة رقم مئتين في برنامجها الشهير (كلام نواعم) تم تكريم الدكتورة/ سامية محمد عبدالرحمن العمودي ضمن أربع سيدات عربيات على إنجازاتهن ودورهن الريادي في مجتمعاتهن وعلى شجاعتهن في تحدي المواقف الصعبة في الحياة تقول لي «أرن دي» مسؤولة العلاقات العامة بالقنصلية الأمريكية ان سامية ستكون ضمن اعضاء الفريق الخيري العالمي المختار لدعم ومساعدة امراض السرطان المقام في شيكاغو هذا الصيف الذي أطلق عليه «المشي من اجل الحياة» ينطلق المشاركون من المكان المخصص للمشي وصولاً إلى موقع الفعالية وإن سامية قررت ان أكون أنا المرافق الروحي لها في هذه المسيرة وما ان ابلغتني «أرن دي» بذلك حتى بدأت في التسخين الأولي استعداداً لهذه الإنطلاقة ومسحت الغبار عن حذائي الرياضي وأعددت ردائي الرياضي لابد ان اذهب نعم لابد أن اذهب مع سامية فلقد أثبتت لنا انها أقوى السيدات... و... و... والرجال وأننا لم نكن أقوياء يوماً بما يكفي.