-A +A
عزيزة المانع
أقرأ هذه الأيام في كتاب ممتع عنوانه: (العرب: وجهة نظر يابانية) وهو من تأليف كاتب ياباني اسمه نوبو أكي نوتوهارا، وهو مستشرق يجيد اللغة العربية وقد كتب كتابه بها.
نوتوهارا يتحدث في كتابه عن انطباعاته عن البلاد العربية بصورة جد محايدة، بعيدة عن الأغراض السياسية أو النظرة العنصرية أو ما شابه ذلك. هو يعرض مواقف وصوراً أثارته واستشف منها دلالات معينة فتوقف عندها ليشبعها تحليلاً وتفسيراً من خلال ما تمليه عليه ثقافته اليابانية.
أن تنظر إلى ثقافتك من خلال عين الغريب عنها هو أمر مثير حقاً، ستجد نفسك وقد جاشت في داخلها مشاعر متباينة من الانبهار والاستياء والحزن. والكتاب وإن كان يمثل رصداً لبعض مشاهدات الكاتب وخبراته الشخصية في بعض الدول العربية إلا أنه رصد يأخذ طابع التحليل والتفسير لما يحدث في تلك الثقافة، كما تتخلله مقارنات سريعة بين ما يحدث في البلاد العربية وما يحدث في بلده اليابان. لقد رصد هذا الكاتب قدراً كبيراً من النماذج والمشاهدات التي تعكس الثقافة العربية، لكني سأكتفي بنقل ثلاث صور منها كما ظهرت في عينه.
أولى هذه الصور صورة الخوف عند العرب، فقد لفت نظر نوتوهارا أن ظاهرة الخوف تشيع بين الناس في المجتمع العربي إلى حد خوفهم من نطق بعض الكلمات المحظورة مثل كلمة (نظام) و(سلطة) و(سجن) حيث تجدهم يميلون إلى تحاشي ذكر ذلك. ولو سألت أحداً عن اسم أو موقع سجن ما فإنه يصاب بالذعر ولا يجيبك حتى وإن كان يعرف موقع السجن أو اسمه. ويقارن نوتوهارا بين هذا الخوف العربي والخوف في اليابان فيقول: «بالطبع يوجد خوف في اليابان. نحن نخاف من الزلزال ونخاف من حوادث محطات توليد الطاقة بالطاقة النووية ونخاف أيضاً من أسلحة كوريا الشمالية»، إلا أن الفرق هو أننا نواجه الخوف بطريقة مختلفة عن العرب، فنحن لا يوجد عندنا شخص ما يهددنا ويخيفنا ليحقق من وراء ذلك منافع شخصية، لذلك نحن نعمد إلى مواجهة الخوف عن طريق توضيح أسبابه وما يكمن وراءه وكيف يمكن التغلب عليه، أما في البلاد العربية فإن الخوف يحدث بسبب بعض الأشخاص الذين يتعمدون إخافة الناس ليتمكنوا من إخضاعهم لذلك فإن معالجة الخوف عندهم تختلف عنّا، حيث ينشط الكذب والنفاق والاستسلام والقبول، وهو أمر يرتبط بغياب العدالة الاجتماعية في البلدان العربية.

ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382