-A +A
محمد أحمد الحساني
في الوقت الذي تسعى فيه وزارة العمل إلى توطين الوظائف داخله في «معركة بلا راية» مع المقاومين للسعودة، فإن لجان الفصل في الخلافات العمالية تغرد أحياناً خارج سرب الوزارة، بما تصدره ضد الشبان المفصولين من أعمالهم من قرارات تثبت فصلهم، على الرغم من عدم وجود أسباب مشروعة وراء الفصل، لاسيما إذا لم يُحسن العامل المفصول الدفاع عن نفسه أو أخفق في استخدام بعض مواد نظام العمل حيث نجد اللجنة الابتدائية في منطقته تهتبل ضعفه وقلة حيلته لإقامة الحجة عليه وإمضاء قرار الفصل!
ومن الموجز إلى التفاصيل:

فهذا مواطن عمل في شركة بجدة مدة عشرين عاماً، تفانى خلالها في عمله حتى أقنع الشركة بالبقاء فيها كل تلك السنوات ولأنه مواطن فقد كان من خلال عمله في إدارة الموظفين في الشركة حريصاً على توطين الوظائف فيها حتى أنه تلقى على ذلك خطاب شكر من صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة برقم 157854/م/ش تاريخ 9/8/1423هـ، على جهوده لتوطين وظائف الشركة، مما أغضب رؤساءه عليه على حد قوله فصدر قرار بطي قيده جزاءً له وردعاً لأمثاله!
ولما تقدم إلى اللجنة الابتدائية بجدة صدر قرارها رقم 500 تاريخ 16/8/1424هـ أي بعد شهور من تقديم طلب وقف الفصل والعودة إلى العمل، صدر قرار اللجنة بأنه لا توجد أسباب مشروعة توجب فصله أي أن الفصل تعسفي حسب المادة «74» من نظام العمل، ولكنها لم تعده إلى عمله بحجة أنه غير جاد في مطالبته بالعودة إلى عمله لماذا هو غير جاد؟ لأنه طالب بالعودة إلى العمل أو صرف حقوقه وتعويضه عن الفصل التعسفي الذي أكدت اللجنة في قرارها بأنه تعسفي، أو تعويضه عن الفصل بمبلغ مليون ريال، ولأن اللجنة في منتهى السخاء فقد رأت أن فصله التعسفي بعد عشرين سنة خدمة لا يستحق تعويضاً إلا بمقدار أربعة رواتب أي عشرين ألف ريال!!
هذا ما جاء في قرار اللجنة الابتدائية للأسف الشديد.
ولأن القرار ثبت الفصل التعسفي ولم تحكم اللجنة بعودته إلى عمله واكتفت بتعويض هزيل فقد استأنف أخونا أحمد عياش ناصر الحُكم أمام اللجنة العليا ذات الحبال الطويلة! فعقدت اللجنة نحو ثلاث عشرة جلسة في الرياض امتدت على فترة زمنية تزيد عن عامين كان خلالها هذا المواطن المفصول تعسفياً بإقرار واعتراف اللجنة الابتدائية يقطع تذاكر ويسافر ويطير ويرجع، وممثل الشركة أمام اللجنة يتغيب عن جلسات اللجنة العليا الجلسة تلو الأخرى حتى بلغ مجموع الجلسات التي غابها ممثل الشركة نحو ثماني أو تسع جلسات أي أنه غاب ثلثي عدد الجلسات، مما ساهم في زيادة معاناته ومعاناة أسرته وزيادة خسائره المصروفة على الأسفار والتذاكر والمتاعب، إلى أن انطوى العام الثالث من بدء فصله وبدء شكواه، لم يتخلف خلالها عن جلسة واحدة أمام اللجنة العليا مقابل تخلف ممثل الشركة عن معظم الجلسات حتى أنه غاب في إحدى المرات عن حضور ثلاث جلسات متتالية دون أن تتخذ اللجنة العليا الموقرة أي إجراء ضد هذا التلاعب والمماطلة في حضور الجلسات، ثم كان «زفت الختام» أن اللجنة العليا أيّدت قرار اللجنة الابتدائية بعد أن دخلت القضية في عامها الرابع والمواطن المفصول بلا عمل.. يصرف من جيبه على رحلات الرياض لحضور الجلسات التي لا يحضر معظمها ممثل الشركة المدعى عليها؟!
هذه القضية لا تمثل حالة فردية سواء بالنسبة لطول المدة التي تصدر بعدها قرارات اللجنتين الابتدائية والعليا، وهي قرارات حدد زمنها نظام العمل الصادر بمرسوم ملكي بثلاثة شهور على الأكثر فأصبحت تزيد عن ثلاث سنوات في بعض الحالات مثل هذه الحالة التي بين يدينا، أو بالنسبة لتهاون اللجان العمالية وتراخيها في تطبيق صارم للمادة «74»، من نظام العمل التي تغطي الفصل التعسفي، لأن هذه المادة تتحدث عن تعويضات مالية ومعنوية جمة يجب أن تدفعها جهة العمل لمن يثبت أمام اللجنة العمالية أنه مفصول بموجب المادة 74 فصلاً تعسفياً، ولكن تلك اللجان تشفق في جهات العمل ولا تشفق على العامل المسكين المفصول وفي هذه القضية اكتفت اللجنة الابتدائية بمنح هذا المواطن عشرين ألف ريال أي أربعة رواتب تعويضاً عن فصله التعسفي الذي أقرت اللجنة بوقوعه على المواطن، فلا هي أعادته إلى عمله ولا هي حكمت له بتعويض مجز، يجعل جهة عمله تفكر ألف مرة لو أنها أرادت فصل مواطن غيره، وليصبح ذلك التعويض الهزيل جزءاً مما صرفه المواطن المفصول في مرافعته أمام اللجنتين الابتدائية بجدة والعليا بالرياض ليخرج من المعركة كلها بفردة واحدة من خفي حنين!!
وبالمناسبة فإن «معركة بلا راية» العبارة التي جاء ذكرها في بداية هذه السطور هي عنوان لديوان شعر للدكتور غازي القصيبي!