-A +A
فؤاد مصطفى عزب
هي طبيبة أطفال بسيطة كروح هذا البلد ورحبه كسمائها .. الوحيدة فينا التي ظلت رغم السنين تمتلك ذلك اللمعان الذي يشع من عينيها خصوصاً عندما تضحك. فالبعض منا في المجتمع الطبي فقد القدرة على الضحك والإنتاج فتغمده النسيان برحمته وأصبح من أولئك الذين ((يطعمون ولايطعمون)) إلا سعاد جابر فمنذ عرفتها في مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي بجدة كانت ترفض أن تكون امرأة كغيرها من النساء اللواتي يمر بهن النهار من غير أن تكون له أهمية وهي من القلائل الذين يُحركهم لهب الروح الداخلي فيعطيهم القدرة على التحرك وذلك الشغف الدائم الى البعيد وكانت تؤمن بحرية ان يختار الإنسان قضية. ولقد اختارت قضيتها ((ثقاقة الطفل السعودي الصحية)) لذلك كان من الطبيعي أن تبادر تلك الطبيبة التي ترى في كل جزء من الثانية طفلاً يقع في فخ المرض وتشاهد القلق الذي يجول في ذهن ذلك الطفل من المستشفى والعيادة والطوارئ والمرض الذي أصابه. وهذا ما فعلته الدكتورة سعاد جابر التي ظلت كالنافورة ترتفع قطرات ماء فكرها لتصل إلى عقل كل طفل ولاتتبخر .. كتبت للصغار كعصفور يعزف سلسلة كتيبات لم تكتمل ذات أفكار من نوع خاص موجهة للطفل «وعلى حسابها الخاص». تشعر وانت تقرأ هذه السلسلة أنه عمل منعش صادر من شكل بشري مسؤول يتحرك باتجاه وعي الطفل. لقد توصلت سعاد إلى حقيقة هامة عرفها ومارسها المجتمع المتقدم وهي أن قوة الدول في وعي أطفالها وأن الطفل بلا وعي طفل عار ومخزن فارغ بارد يعيش فيه ويستسهله المرض ويهدده دائما خطر الاختفاء والموت. فالمرض يُزعزع دفء الأطفال وطمأنينتهم. وماكتبته سعاد ملاءة طرية واسعة من الوعي ضد البرد الشديد الذي يقرص القلوب الصغيرة .. السلسلة حالة ذهنية رائعة وأنوار جميلة تشق طريقها إلى عينيك يأسرك وانت تقرأها التناغم القوي البسيط والرسوم والألوان الشفافة التي تنتقل مع النص بسلاسة فائقة لقد استطاعت الدكتورة سعاد جابر في هذه السلسلة عن المستشفى والعيادات والطوارئ وبعض الأمراض التي تصيب الأطفال كالربو والتلسيماء أن تجيب على أسئلة كثيرة معلقة في الهواء لدى الطفل وأن توضح له كلمات طبية قد يعجز عن نطقها وتجيب عن استفسارات قد لا يستطيع الشخص غير المتخصص الإلمام بها. لقد بذلت سعاد جهداً كبيراً لتبسيط معلومات طبية في غاية التعقيد وجعلها في متناول عقل الطفل وإدراكه .. القارئ لهذه السلسلة التي هي عبارة عن مجموعة حدائق صغيرة حولتها سعاد إلى منتزه كبير من المعرفة يجد أن سعاد تجولت بالطفل وبأسلوب عفوي بسيط وكأنه على متن سفينة صغيرة بين مرافق المستشفى المختلفة ووحداتها أو كأنها حملته في منطاد هوائي لتجعله يشعر بالنشوة حتى من أكثر الأماكن رعباً لدى الصغار .. لقد حولت المستشفى والطوارئ والعيادات إلى حكاية ذات ملامح طفولية وبلغة ناعمة لكنها تخفي في احشائها معلومات أساسية عن المستشفى والطوارئ وبعض الأمراض التي تعرضت لها والتي دائماً ما تصيب الأطفال .. قد يقول قائل: ولماذا كل هذا الحديث عن هذا العمل وأقول انه من العبث إغماض العين عن عمل إيجابي أبيض بلون بياض الثلج، فإن فعلنا تسرب الظلام داخل نفوسنا وملأت النفايات المكان. هذه حقيقة والحقيقة الأخرى أن مافعلته الدكتورة سعاد جابر اختراع سعودي بذلت فيه جهداً إضافياً لتخرجه وبكمال تام. وهذا العمل نافذة جميلة قابلة للاتساع إن وجدت دعماً من مؤسسة او شخصية مميزة تهمها «ثقافة الطفل السعودي الصحية» فذراعا المرء مهما اتسعتا لاتكفيان البتة لاحتضان اتساع كهذا وليس هناك اتساع أرحب من ثقافة الطفل فثقافة الطفل تقليد تتبعه شعوب العالم المتقدم وسلوك ذو أناقة حقيقية. فهل من يدعم هذا العمل؟