-A +A
فؤاد مصطفى عزب
يقال ان احد المستثمرين عثر على مصباح علاء الدين.. فانتصب أمامه خادمه المارد وانحنى قائلاً شبيك لبيك.. قال المستثمر.. أدفع لك دم قلبي بس اعرف مصير أحد مشاريعي الاستثمارية!! سأله المارد: ألاقي عندك دراسة جدوى أقتصادية للمشروع؟ أجابه المستثمر بالنفي.. قال المارد: والله صعبة!! تذكرت هذه الطرفة وأنا استمع إلى محدثي الشاكي الذي بدأ حديثه بأنه منذ حوالى خمس سنوات عاشت مدينة «جدة» ما أسماه «صيحة مراكز التخسيس» فاعتقد كغيره نيل المرام والربح الحلال ولم يستعن حسب قوله بأي مركز من مراكز الدراسات فالواقع الملموس المحسوس والذي لايمكن إنكاره أو رفضه يقول له ذلك فلوحات النيون المعلقة على مصابيح الشوارع بالمئات والصحف تحاصره بإعلاناتها النحافة النحافة وحديث المجالس نقص جرام من الوزن سيتحول إلى جرام من ذهب في الجيب واختتم حديثه أن هذا المركز الذي يملكه الآن أصبح أكبر كابوس يجثم على صدره فقد تحول من مرحلة استثمارية في حياته إلى كارثة استنزافية وقبل أن يمضي في بحث فلسفي وحتى لايتوه الحوار منا وبيننا سألته وما منعك من الاستشارة!! قال اعتبرتها موضة وتكاليف لامعنى لها وقراطيس ورقية تطالب بها البنوك من يريد الاقتراض منها وأنا لاأحتاج قرضاً فالمبلغ المناسب كان لدي في الوقت المناسب والقرش صياد كما يقولون فالسيولة المناسبة في الوقت المناسب تمكنك من صيد السمكة المناسبة في بحر الحياة.. قلت له ياسيدي هذا تفكير من يحاول إنبات القمح في مياه البحر.. ليس هناك مايحدد نجاح مشروع ما ويحدد بدقة نصيب العائد على رأس المال من الأرباح سوى دراسة الجدوى الاقتصادية.. فحتى دكاكين البقالة لامؤاخذة في القرن الواحد والعشرين التي تبيع الحلاوة الطحينية لها مختصون في علم دراسات الجدوى بل وبأسعار زهيدة لاتقارن وحجم الخسائر المحققة لاقدر الله بل وأصبح هناك من يحدد حجم قرص «المقلية» ودرجة كثافة سلطة الطحينية داخل الساندوتش قال لي للأسف أن أحاديث المجالس أصبحت هي المعلومة والمشورة والمخدر الجديد الذي نتعاطاه في كل موقف بل وأصبح حجم هذا التعاطي يبعدنا عن رؤية ما سيحدث لنا ومنا.. قلت: ياصاحبي لقد تغير الزمان فالنشاط الاقتصادي أصبح يتطلب بجانب توفر المال أستخدام الإمكانيات العلمية المتاحة الاستخدام الأمثل فالمشروع الناجح لم يعد نية حسنة ومالاً فقط.. نجاح المشروع في الوقت الحاضر يعتمد على الدراسة الاقتصادية المتكاملة التي يفترض أن تتصف بالشمولية والدقة والموضوعية والصدق وهذه الدراسة للجدوى أصبحت أهم عناصر المداخل الاقتصادية وهي إن كانت جديدة علينا إلا أنها معروفة لدى الغرب منذ عام 1936م وذلك عندما نشر عالم الاقتصاد «جون مايزوكينز» نظريته الاقتصادية في مجال الفائدة وابرز أهمية المعدل الإضافي على الاستثمار المتوقع تحقيقه وتكلفة رأس المال التي يتم تحملها كنتيجة للتعهد بتنفيذ الاستثمار.. لقد أصبح كل ذلك لغة هامة في مجال الاستثمار وخطوة راقية في تفكير الشعوب وصار إنشاء مشروع دون دراسة جدوى كبناء قصر من الرمال على شاطئ الأحلام..
عند ذلك استوقفني محدثي قائلاً «كُبك ياراجل من جون مايزوكينز وطقته» ألاقي عندك زبون للمركز!! أجبته: والله صعبة!!.