-A +A
عزيزة المانع
من يصغي إلى الخطاب الأخير للرئيس الأمريكي بوش حول الموقف السياسي الأمريكي من التسلح الإيراني، يمكنه ملاحظة التراجع الذي ظهر واضحاً في الخطاب الأمريكي الموجه إلى إيران، فبعد أن كانت أمريكا تزمجر مكشرة عن أنيابها، منذرة بالانقضاض المدمر على إيران فيما لو مضت في مواصلة برنامجها النووي ولم تخضع للمطالب الأمريكية القاضية بتقليم مخالب دول منطقة الشرق الأوسط مع استثناء إسرائيل، يظهر الرئيس بوش في خطابه الأخير وقد تراجع عن تلك النغمة المتعالية التي أدرك فشلها في إخضاع الدولة الإيرانية، فأخذ يؤكد أن أمريكا لم تطرح الخيار العسكري في مواجهة التسلح الإيراني، وأنها مازالت تؤكد حرصها على الحوار السياسي حول هذا الموضوع، وأن ما قيل عن الخيار العسكري ليس سوى (كلام جرايد) لا يعتدّ به.
هذا التغير الكبير والواضح في الموقف الأمريكي تجاه إيران، لا أجد له تفسيراً سوى أحد أمرين: إما أن تكون أمريكا قد تأكدت من حقيقة القوة العسكرية الإيرانية، فعلمت أن اللحم الإيراني مر، وليس كغيره من لحوم الدول الضعيفة، فاستبعدت خيار استعمال القوة مع إيران تحاشياً لعواقب غير مرضية. وإما أن تكون ماتزال على نيتها باستخدام القوة ضد إيران، لكنها تتبع تكتيكاً يعتمد المفاجأة والأخذ على غرة، لذلك تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي النافية للخيار العسكري ضد إيران لبث الطمأنينة والاسترخاء لدى الإيرانيين حتى تسهل الإغارة المفاجئة عليهم ويتم تحقق أخذهم على غرة.
هذا التغير الكبير والمفاجئ في السياسة الأمريكية تجاه إيران خلق تفسيرات كثيرة انشغل بها الناس ومنها القول بأن هناك تحالفاً وليداً في طريقه للنمو ما بين إيران وأمريكا حول اقتسام العراق. وسواء كان هذا الظن صحيحاً أو بعيداً، هو يصب في تأكيد قوة إيران العسكرية التي دفعت بأمريكا إلى أن تسعى إلى التفاوض معها وتعمل على مساومتها.
وما يظهر ساطعاً هو أن القوة العسكرية هي الممهد لطريق التفاوض السياسي، أما التمسك بالمثاليات أو الصدق أو الشرعية الدولية، فإنها كلها زيف لا أثر له في عالم السياسة.

ص.ب 86621 الرياض 11622