-A +A
محمد أحمد الحساني
عندما كانت أمانة العاصمة المقدسة في عهد الأستاذ عبدالله عريف وفي عهد من جاء بعده من الأمناء، تقوم بحملة لقتل وإبادة الكلاب الضالة المسعورة في جبال وشعاب ووهاد أم القرى فإن عملها ذاك كان يعد من «المنجزات!» ولذلك فإن أخباراً صحفية بعناوين كانت تنشر بين حين وآخر عن تلك المنجزات تتضمن أن فرق الأمانة قد تمكنت من قتل أربعمائة وثلاثة وخمسين كلباً خلال شهر! ولم يكن أحد من القراء يرى فيما ينشر من أخبار إبادة الكلاب أنها أخبار سخيفة لا تستحق النشر!، بل إن الوعي الاجتماعي كان يرى أن ما يحصل إنجاز يستحق الإشارة إليه والإشادة به، وقد ينبري كاتب فيكتب مقالاً يثني فيه على الأمانة ورجالها وجهودهم العظيمة في محاربة الكلاب الضالة، وربما كان الأمر نفسه يحصل في مدن أخرى غير أم القرى ولكن حديثي عن كلاب مكة المكرمة باعتباري من المعاصرين لفترة الإبادة الجماعية التي كان يستخدم فيها السم الزعاف وبلا رحمة!!
أما ما ذكرني بحملات إبادة الكلاب فهو خبر نشرته الصحف عن قيام فرق من وزارة الزراعة بإبادة ألف دجاجة صحيحة سليمة إبادة جماعية، على سبيل التدريب على القيام بالعمل نفسه في أوساط الدواجن فيما لو ظهرت بين الدجاج أمراض مثل الانفلونزا أو غيرها من الأمراض التي يُخشى من انتقالها إلى الإنسان الوديع الذي لم يقتل أحداً منذ عهد قابيل وهابيل حتى عهد الباشا شمردل!

وقد تأملت التجربة الجديدة والعناء الكبير الذي بُذل من أجل قتل ألف دجاجة وعدد من شاركوا مشمرين عن سواعدهم في هذا الانجاز الوطني!، فرأيت أن فرق إبادة الكلاب التي كان بعضنا يسخر من إنجازاتها أحق بالتحية والتقدير من فرق إبادة الدجاج، وقدرت أن الوصول والنزول من مرحلة الكلاب إلى مرحلة الدجاج يعد تراجعاً حضارياً ينبغي دراسة أسبابه، والدوافع التي جعلتنا نحتفل بأي شيء ونغطيه صحفياً وإعلامياً حتى عندما يتصل الأمر بقتل دجاج بائس!
وتساءلت: هل يحتاج مثل هذا العمل إلى خطط تأهيل وتدريب وفي تقديري أنني أستطيع وحدي قتل أي عدد من الدجاج دون خطة طوارئ مسبقة؟!، في حالة وجود ما يستدعي إنشاء مذبحة جماعية لدواجن مريضة لاسيما أن فرق الإبادة حددت الوسائل المهلكة التي استخدمتها في إبادة ذلك العدد من الدجاج، ومنها تسميم الماء الواصل إلى أخنان الدجاج أو تسليط غاز ثاني أكسيد الكربون عليها أو حرقها حية كما يفعل القساة، فمادام الأمر كذلك فما هو الداعي لخطط التدريب والتأهيل والطوارئ والأخبار المصورة مادام أن المسألة كلها لا تعدو قتل مجموعة من الدجاج وكيف سيتم التعامل مع الحالة والنخالة لو كان المراد إبادتهم مجموعة من الأسود؟!
وعلى ذكر الكلاب فقد حضرتني الآن طرفة تراثية خلاصتها أن الشاعر الأموي الفرزدق خرج ذات مساء وقد ضعف بصره فمر على مجموعة من الكلاب اقتعدت جانب الطريق التي سلكها، فظن الفرزدق أنه يمر أمام «بشكة» من الناس فسلم على الكلاب فلم يسمع الرد فغضب، وأنشأ فيهم هذين البيتين:
فما رد السلام عليَّ قوم
مررت بهم على سكك البريد
ولاسِيَما الذي كانت عليه
قطيفة أرجوان في القعود؟!
ويبدو أن أكبر الكلاب حجماً كان لونه أحمر أو أرجوانياً فظن الفرزدق أن ذلك الكلب رجل محترم يلبس قطيفة لونها أرجواني.. والحمد لله على نعمة البصر والبصيرة!
وقد جاءت «سيما» مخففة غير مشددة لضرورة الوزن! أما إذا أردنا إنصاف الدجاج وإيراد أشهر ما قيل فيه من شعر هزلي فإننا نورد في هذا الشأن ما قاله بشار بن برد لصاحبته ربابة:
ربابــــــة ربــــــــة البيــــــــــت
تصــب الخـــــلَّ في الزيت
لها عشــــــر دجاجـــــــــات
وديـــــك حسـن الصوت
ومن عندي.. أن جميعها سليمة من الانفلونزا.. والله أعلم..!