مكة المكرمة والمدينة المنورة

بكري بن معتوق عساس

إن العلاقة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة علاقة ربانية علوية سماوية فريدة. إنها نـمط فذ من التجاوب بين المدن، والتآخي بين الأماكن.
ينزل الوحي في مكة ثم يستمر في المدينة.
تبدأ الدعوة النبوية في مكة ثم تقوى وتشتد في المدينة.. تنطلق العصبة المؤمنة الأولى من أزقة مكة لتبني دولة الإسلام العظمى في المدينة.
تكبر عصائب المهاجرين في جبال مكة ليـردد صداها تهليل الأنصار في أودية المدينة.
يجهـر النبي صلى الله عليه وسلم بفواتح دعوته على جبل أبي قبيس بمكة، ثم يلفظ وصيته الأخيرة على فراشه بالمدينة.
تتجاوب أصداء مكة في فجر الدعوة بـقوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق) .. ويتـردد في فجاج المدينة في أواخر النبوة قول المولى: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
وهكذا .. يـنظـم ما بين المدينتين خيط ذهبي من الإيمان والتوحيد والعقيدة والدعوة والحضارة.
ومن تأمل الوحيين وجد هذه الصلة ظاهرة بينة ..
قال سبحانه: ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ).. و( مدخل الصدق): المدينة،، و(مخرج الصدق): مكة، كما ذكره ابن كثير في تفسيره عن قتادة.
وفي الحديث: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة). وفي الحديث الآخر: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد).
نحن إذن أمام مدينتين عظيمتين تشير إحداهما للأخرى أن سلام عليك إذ كنت للوحي موطنا، وللنور منبعا، وللنبوة مدرجا، وللمؤمنين مثابة.
فأي شرف، وأي بركة، أن تنتهض دولة لخدمة هاتين المدينتين المقدستين، وحرميهما الشريفين معا ؟
لقد أذن الله لبلادنا المباركة المملكة العربية السعودية أن تكون الدولة التي قدمت أجل خدمة للحرمين الشريفين منذ كانا.
فأضخم توسعة للمسجد الحرام شهدتها وتشهدها المملكة.
وأجل توسعة للمسجد النبوي شهدتها وتشهدها المملكة.
ومع التوسعتين كم هائل من البنية التحتية، والخدمات المساندة، والمشاريـع المصاحبة، والتطويرات المحيطة، وحلول المشكلات، وتفعيل الإمكانات، وتوظيف المعارف والمهارات.
إنها ( ملحمة معمارية ) بكل ما تعنيه الكلمة، سواء نظرت إلى ( الـمعمار المادي ) أو إلى ( الـمعمار المعنوي ) ففي كل منهما بصمة سعودية واضحة سيقف عندها التاريخ طويلا، طويلا جدا..