الصرع «1-2»

البروفيسور محمد سالم الحضرامي

الصرع هو حالة تتميز بتكرار تشنجات ناشئة عن اضطراب موروث او مكتسب في الدماغ، وثمة اسباب تمهد لحصول التشنجات كالحرمان من النوم، او الانفعالات الشديدة والتعرض للموسيقى الصاخبة او وميض الانوار مثل التلفزيون او بذل جهد عنيف، وقد تكون التشنجات شاملة لكل الجسم ويصاحبها في الغالب فقد الوعي او ضعفه، وربما تكون جزئية يختلج فيها جزء محدود من الجسم، أو يحس المريض برائحة كريهة او خوف، أو ألم في أعلى البطن، وقد تشمل حركات مثل تكرار البلع أو مط الشفتين وغيرها. والصرع ليس بمرض نادر فهو يصيب 0.5 % من الناس في اوروبا، ولا يعرف سببه في أكثر من نصف الحالات.
وقد تحصل التشنجات لاسباب غير الصرع مثل أورام الدماغ أو السكتة الدماغية أو التهاب الدماغ او السحايا او نقص الكالسيوم والصوديوم او هبوط السكر او ارتفاعه الشديد، ومثل هذه الحالات تزول بزوال اسبابها، ولذلك يقوم الطبيب بعمل فحوص الدم والفحوص الشعاعية وتخطيط الدماغ للوصول للتشخيص السليم.
ولكن اهم ما يساعد الطبيب في التشخيص السليم للحالة هو الوصف الدقيق من المريض اذا كان يتذكر او من شخص شاهد النوبة فيسأل عن الظروف التي حصلت فيها النوبة وما حصل قبلها او اثناءها وبعدها. وفي حالات التشنجات الشاملة من الصرع قد يصاب المريض عندما يسقط، وقد يعض لسانه او يخرج الزبد من فمه وغيرها، وحدوث هذه الامور يساعد الطبيب في التفريق بين التشنجات الحقيقية وتلك الناشئة من حالات نفسية.
ولدى الاطباء ادوية فعالة، باذن الله، لعلاج الصرع فيبدأ الطبيب عادة بجرعة محددة من دواء واحد، يزيدها بالتدريج حتى يتم التحكم في النوبات او تحصل مضاعفات من الدواء، ويستفيد الطبيب من قياس مستوى الدواء في الدم خلال فترة تصعيد العلاج، وبعد استقرار الحالة يعاد التحليل مرة في السنة.
ومن الاهمية بمكان التزام المريض بالعلاج الموصوف لان انقطاع الدواء المفاجئ قد يدخل المريض في نوبة تشنجات متواصلة، تعرض حياة المريض للخطر كما ينصح بعدم استعمال اي دواء آخر او اعشاب او مكملات غذائية قبل مناقشة الامر مع الطبيب للتأكد من عدم تفاعله مع علاج الصرع، ويتم التحكم في الصرع في نصف الحالات باستعمال دواء واحد، ولكن في بعض الحالات قد يحتاج لتغيير الدواء اذا حصلت منه مضاعفات، او استعمال دواءين، وفي حالات نادرة يعجز الطبيب عن التحكم في الصرع بالدواء فيلجأ للعلاج الجراحي، وتشخيص حالة الصرع يشكل مفاجأة غير سارة للمريض وهو محتاج الى دعم الفريق الطبي والاسرة والاصدقاء لتجاوز الضغوط والاثار النفسية والاجتماعية للتشخيص، وقبل ان يتم التحكم في التشنجات يجب ان يبتعد المريض عن اي نشاط يمكن ان يعرضه او يعرض الاخرين للخطر اذا فقد وعيه بسبب التشنجات مثل قيادة السيارة او تشغيل الالات الثقيلة او العمل بقرب النار او الماء العميق او العمل على ارتفاع عال دون حواجز آمنة، وفي كثير من الدول هناك قوانين تحدد متى يمنع مريض الصرع من قيادة السيارة ومتى يسمح له بها، ولم اقع على توجيهات في المملكة بخصوص قيادة السيارة لمريض الصرع، ولعل وزارة الداخلية تتبنى مشكورة توجيها ينظم هذا الامر، ويحدد واجب الطبيب وآلية تعاون الطبيب والمريض مع الدوائر المسؤولة، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار تفاعل ادوية الصرع مع غيرها، فبعض ادوية الصرع قد تفقد اقراص منع الحمل فعاليتها او تقلل من فعالية ادوية سيولة الدم، او تسبب نقص فيتامين د. كما ان بعض الادورية قد تزيد مستوى علاج التشنجات في الدم فتسبب اعراضا سمية مثل اختلال التوازن، وقد تنقص فعالياته فتعود التشنجات.
وينصح مريض الصرع ان يحتفظ بسجل للنوبات التي حصلت له والاوقات التي حصلت فيها، وما حصل قبلها واثناءها وبعدها وما تلقى من علاج لها، وهذا السجل يساعد الطبيب في تقييم تطور الحالة واكتشاف العوامل المساعدة على التشنجات وبعد استعمال العلاج وغياب التشنجات لمدة سنتين الى 4 سنوات يمكن ان يناقش المريض مع الطبيب امكانية ايقاف الدواء، آخذين في الاعتبار الفوائد والمضار التي يمكن ان تترتب على هذا القرار، على ان يتم ايقاف الدواء بشكل تدريجي وحسب الجدول الذي يحدده الطبيب مع تحديد تفاصيل المتابعة.
الصرع والحمل: تشير دراسات الى احداث ادوية الصرع تشوهات في الاجنة، ولذلك قد ترغب بعض السيدات في تأخير الحمل ولكن بعض هذه الادوية قد تسبب فشل اقراص او لصقة منع الحمل وفي هذه الحالة يمكن استخدام اللولب الهرموني أو حقن Depotprovera حسب ما يراه طبيب النساء والولادة، وبعد استعمال علاج التشنجات وايقافها لمدة سنتين يمكنها مناقشة ايقاف العلاج مع الطبيب مع ضرورة استعمال حامص الفوليك قبل الحمل.
ماذا تفعل اذا سقط امامك شخص بنوبات تشنجات ؟
1 ــ اسحبه بعيدا عن ما يمكن ان يؤذيه مثل الشارع أو النار أو جسم صلب وضع وسادة او رداء مطبقا تحت رأسه اذا كان على الارض، وفك أي شيء ضيق حول العنق مثل الياقة أو الكرفتة.
2 ــ تأكد أن سبل التنفس مفتوحة ولا تحاول إدخال أي شيء في فمه حتى لا يتضرر بعضه.
3 ــ عند انتهاء النوبة ضع المريض على جانبه.
4 ــ ابق مع المريض حتى يستعيد وعيه بالكامل، وقد يصاب بدوار أو ذهول لمدة تصل الى ساعة فلا تتركه خلال هذه الفترة.
5 ــ اذا استمرت التشجنات أكثر من 5 دقائق، أو تكررت قبل ان يستعيد وعيه اطلب المساعدة الطبية على جناح السرعة.
وفي رمضان يتغير نظام النوم كثيرا لدينا ويمتنع الصائم عن الطعام فترة طويلة، وتتغير مواعيد الدواء، وكلها يمكن ان تزيد احتمال التشنجات. وقد نشرت د. كومسيلي وزملاؤها جامعة انقرة ودراسة عن صيام 114 مريضا بين شهري اكتوبر ونوفمبر ونهار طوله 12 ساعة، ووجدوا ان 38 حصلت عندهم تشنجات، واحدهم دخل في نوبة صرع متتابع وكان 75 % من الذين تعرضوا للتشنجات غيروا دواءهم الى مرتين يوميا وكانت نسبة التشنجات في رمضان اكثر من معدل السنة التي قبله والاشهر الثلاثة التي قبله وذات اهمية احصائية.
ولاحظ الفريق انخفاض معدل النوم للمرضى بساعة في رمضان مقارنة بالفترة التي تسبقه بينما لاحظت د. خطاب وزملاؤها، في الموصل، ان مجموعتهم من مرضى الصرع لم يتعرضوا للضرر من توزيع جرعتهم اليومية من عقار كاربامازبين على فترتين خلال رمضان بدلا من 3 فترات قبله.
ويبدو انه قد يكون هناك ضرر على بعض مرضى الصرع من الصيام وعليهم اخذ رأي الطبيب ولعل المتابعة الدقيقة وقياس مستوى الدواء في الدم يساعدهم على ترتيب يمكنهم من الصيام دون ضرر اذا اختاروا الصيام.