إغلاق المطاعم .. الظاهرة المفاجئة

خالد عباس طاشكندي

يبدو أن النهج الرقابي الجديد والصارم الذي تطبقه أمانة جدة على المطاعم والمنشآت الغذائية مؤخرا سوف يسبب لها العديد من الإشكاليات، فقد لفت الانتباه إلى ذلك رئيس اللجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة الأمير عبدالله بن سعود بن محمد الذي انتقد عبر تصريحات صحفية الأسبوع الماضي سياسة إغلاق المطاعم دون تدرج في العقوبات بحسب ما تنص عليه لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية، وانتقد أيضا تشهير الأمانة بالمطاعم عبر وسائل الإعلام الجديد، معتبرا أن إجراءاتها عشوائية وتهدد الاستثمار في قطاع المطاعم في مدينة سياحية بالدرجة الأولى مثل جدة، وتستدعي إحالة مسؤوليها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام باعتبار أنهم ارتكبوا جرائم جنائية ومخالفة للأنظمة.
ولكن بالرغم من أن هذه التصريحات قوبلت بانتقاد شديد من قبل بعض الكتاب الصحفيين والكثير من المعلقين في شبكات التواصل الاجتماعي، الذين تركزت آراؤهم حول أولوية تقديم صحة المواطن على مصالح أصحاب المطاعم وشركائهم المستثمرين، خاصة أن أغلب المطاعم المخالفة أغلقت بسبب رصد حشرات وقوارض، أو أغذية فاسدة، أو بسبب رصد عدد من المخالفات الصحية، إلا أن هذه القضية تفرز عددا من النقاط الجوهرية بغض النظر عن من يميل رأيه بجانب مصالح التجار، أو بجانب آراء الشارع العام التي أشادت بالدور الرقابي لأمانة جدة بعد إغلاقها أعدادا كبيرة من المطاعم والمنشآت الغذائية المعروفة دون تمييز.
الحقيقة هي أن اللائحة التنفيذية للغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية الصادرة عام 1422هـ بقرار مجلس الوزراء رقم (218) تنص على فرض «عقوبات تدريجية»، وتشمل على سبيل المثال، عقوبة استخدام مواد غذائية منتهية الصلاحية، وتتمثل عقوبتها في فرض الغرامة المالية وإتلاف هذه المواد ومضاعفة قيمة الغرامة في حال تكرار المخالفة، ونفس الأمر ينطبق في حال اكتشاف لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي، أو تداول المواد الغذائية بطريقة غير صحية، أو تدني مستوى النظافة، أما بالنسبة للتشهير بالمطاعم التي ترصد بها مخالفات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فلا يوجد نص صريح ضمن اللائحة التنفيذية يشير إلى هذا الإجراء، وبالتالي، من المفترض أن يكون هناك مستند قانوني لأمانة جدة لتنفيذ عمليات إغلاق المطاعم المخالفة والتشهير بها بغض النظر عن أهمية هذا الدور الرقابي في حماية المستهلك وما يحظى به من اهتمام.
ولا شك أن سياسة «الإغلاق والتشهير» هي من أفضل وسائل ردع المخالفين، ويتم تطبيقها على مستوى دول العالم المتقدم دون أي تحفظات، ففي العام الماضي 2014 أغلقت هيئة الرقابة الصحية وحماية المستهلك الروسية أربعة فروع من سلسلة مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية «ماكدونالدز» في العاصمة موسكو بشكل مؤقت، بسبب انتهاكها للمعايير الصحية، وفي 2011 أغلقت السلطات الأمريكية أحد فروع سلسلة مطاعم «فدركرز» الشهيرة بمدينة أنابوليس لعدة أيام بعد اكتشاف وجود بقايا سم فئران على عدد من الصواني التي تعد عليها شطائر الهمبرجر، وفي 2008 أغلقت السلطات الصحية الأمريكية أحد فروع سلسلة مطاعم «IHOP» العالمية في مدينة أماريلو بولاية تكساس بعد تسمم أكثر من 9 أشخاص من مرتادي المطعم بجرثومة السالمونيلا المعدية والخطيرة، يضاف إليها العديد من الأمثلة الأخرى المشابهة عن عقوبات إغلاق المطاعم والتشهير بأسمائها في دول العالم الأول مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا وغيرها.
ولكن الفرق بين العقوبات والجزاءات التي تطبق في الغرب وما نطبقه نحن، يكمن في أن الجهات الرقابية لديهم تحدث لوائحها بشكل دوري يخدم المتغيرات التي تطرأ مع الزمن، بينما نحن لم نطور اللوائح الرقابية الخاصة بعقوبات المخالفات الصحية في المطاعم والمنشآت الغذائية سوى من خلال تحديث واحد فقط طرأ على «لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية» خلال 14 عاما من صدور هذه اللائحة، وهو التعديل الذي أقره مجلس الوزراء قبل عامين بإعطاء وزارة التجارة صلاحيات تمارسها الأمانات والبلديات في إصدار العقوبات الفورية فقط.
كما أن الأمانة التي ظهرت فجأة قبل عدة أشهر وفاجأتنا بإغلاق العديد من المطاعم المخالفة والتشهير بها، لم يسبق أن طبقت مثل هذه الإجراءات الصارمة منذ نشأتها عام 1344هـ، وطيلة هذه العقود السابقة كان حبل الرقابة متروكا على الغارب، ولذلك من المنطقي أن أتفق مع من يطالب بتدريج العقوبة وفقا للائحة.