انتبهوا من «كفوف» المسؤولين

حمود أبو طالب

من أسوأ الأشياء التي قد تحدث للإنسان أن تتعرض كرامته للإيذاء، وأسوأ الأسوأ أن يحدث ذلك وهو في نهاية العمر يبحث عن التقدير والاحترام من مجتمعه، وما لا يمكن استيعابه أبدا أن يقترف مثل هذه الإهانة شخص مكلف بحفظ حقوق الناس وإيفائها لهم كمسؤولية وظيفية حتمية مكلف بها من الدولة. القصة التي نشرتها صحيفة الحياة قبل أيام تمثل إهانة للمجتمع بأكمله وليس لفرد فيه، لأنها اعتداء صارخ ومقزز على كل القيم والمثل والأخلاق التي يجب الحفاظ على الحد الأدنى منها على الأقل مهما فقد الإنسان انضباطه وتوازنه أو بلغ به الغضب مبلغا كبيرا. ولمن لم يقرأ خبر تلك الحادثة فهنا إيجازه:
شيخ كبير تعدى الثمانين من عمره أمضى وقتا طويلا وهو يطالب بحقوقه في إحدى الوزارات، وبعد معاناة مريرة وصل موضوعه إلى وكيل الوزارة الذي نتوقع أنه سيتفهم قضيته وينصفه باحترام وتوقير واعتذار عما لاقاه من عنت وصلف وإهمال بقية الموظفين. حسنا، لم يحدث ذلك. والذي حدث أن ذلك الشخص المسن المجلل ببياض الشيخوخة ووقارها تلقى صفعة من وكيل الوزارة، صفعة حقيقية وليست معنوية أو مجازية، أي أنه تطاول بيده وأهان صاحب الحق الذي عزت عليه نفسه وقرر أخذ حقه شرعا، وفعلا أنصفه الشرع بحكم تعزيري على ذلك المسؤول، ولكن لأن السلطة لها حجابها وخدامها فقد تدخلوا بالصلح والتنازل مقابل مبلغ مادي. وما نتوقعه أن ذلك الصلح كان قسريا وإرغاميا لأن ذلك المسكين رأى الوزارة بقضها وقضيضها وبأكبر مسؤول فيها تتدخل من أجل الصلح، فما عساه أن يفعل.
القصة لا يجب أن تنتهي عند هذا الحد أبدا لأن المهان ليس ذلك الشيخ وإنما المجتمع، فالمسؤول الذي فعل تلك الفعلة السيئة خالف واجبات والتزامات وأدبيات المسؤولية، ولأنه في مرتبة عليا فإن عقابه يجب أن يكون أشد، وكان على وزيره أن يزيحه بعد ثبوت فعلته لا أن يتدخل لإنقاذه من الحكم التعزيري وبقائه في موقعه ليصفع المزيد من المواطنين. إنها قضية قانونية وحقوقية يجب على الجهات المتخصصة أن تتابعها وتأخذ الحق العام للمجتمع وحق الدولة في امتهان وظيفتها وتسخير المسؤولية لإهانة الناس.
المجتمع يعاني إهمال وتقصير وفساد بعض المسؤولين ويحتسب ذلك عند الله، لكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد فإنها مسألة مرفوضة. مرفوضة تماما.