وماذا بعد يا وطن؟

حمود أبو طالب

بكل ما اكتنف شهر رمضان من روحانية إلا أنه لم يكن خاليا هذه المرة من بعض التوجس مما تنوي خلايا الإرهاب فعله بعد أن ثبت أنها أرادت الاحتفال بهذا الشهر بأساليبها البشعة التي لا تعترف بحرمة المكان والزمان ودم الإنسان المعصوم في كل الأمكنة والأزمنة. مضت أيام الجمعة بالذات بترقب وقلق إذ لم يكن يعرف أحد أي مسجد سينفجر وكم من الأرواح ستزهق، وقد اتضح بعد بيان وزارة الداخلية الأخير أن جرائم كبرى كان مخططا لها بقدر كبير من الاحترافية والوحشية لمحاولة تحقيق أهداف محددة لا يعرفها التنفيذيون الذين يحملون الأحزمة الناسفة، وإنما الأشباح التي تختفي في الكواليس وتضع مخططاتها بهدوء وأناة.
الضربة الأخيرة للأجهزة الأمنية متميزة وفي منتهى المهنية، هي مفرحة من حيث كونها تبث فينا مزيدا من الاطمئنان ليقظة الأمن، لكنها مقلقة للغاية من حيث العدد المقبوض عليه والتخطيط الذي وصل إليه والأهداف التي كان يسعى لتحقيقها. عندما يبلغ العدد 431 شخصا النسبة الغالبة منهم شباب سعوديون أكثرهم لم يسافر إلى مناطق الصراع فإننا نتحدث الآن عن صناعة داخلية لتنظيم داعش. أي أن الدعاية والاستقطاب والتخطيط والتجنيد والتجهيز والتمويل والنقل وكل الاحتياجات اللوجستية والتنفيذية أصبحت عملية محلية في معظم خطواتها، وهنا النقلة النوعية الخطيرة للتنظيم والمرحلة التحولية الأخطر في مواجهتنا معه، والتي أصبحت تستلزم بالضرورة أقصى درجات الشدة والحزم والضرب بقسوة في كل أماكن الخطر.
دعونا نتحدث بوضوح أكثر ونقول ماذا كان ينوي هؤلاء فعله بالوطن والمجتمع. هل كانوا يريدون توزيع الورود والحلوى، هل كانوا ينوون القيام بأعمال تبرعية لصالح الإنسانية، هل كانوا يسعون للانخراط في جمعيات خيرية تتبنى مساعدة الفقراء والمحتاجين؟. طبعا لا، وإنما يريدون تحويل الوطن إلى كتلة من النار لا تنطفئ، فهل نستمر في سياسة حسن الظن بأن هؤلاء سيعودون يوما إلى العقل. هذا هو الخطر الذي لا يجب أن نستمر فيه لأن ما حدث يكفي جدا لتنبيهنا إلى ضرورة استئصال كل مخرب. لقد أحبطنا عشرات المحاولات وقبضنا على مئات الإرهابيين فلا يجب أن تستمر المحاكمات سنوات طويلة أو أن تخرج بعض الأحكام مخففة على إرهابيين حقيقيين اقترفوا أبشع الجرائم. فالوطن وأمنه ومستقبله يواجه إرهابا يصر على إحراقنا جميعا دون استثناء.