الاستثمار في الأشجار.. «حج وبيع سبح»!

سمير عابد شيخ

في أحد مراكز التسويق المنتشرة في مدينة دبي، أقنعت زوجتي بحضور فيلم بطولة نائب الرئيس الأمريكي السابق «آل غور». كان فيلما في منتهى الرّوعة، يتحدّث عن معاناته الشّخصية مع الكونغرس لاقناعهم بسن قوانين فاعلة لحماية البيئة. ولـكن جهوده المضنية تناثرت كالرماد في يوم عاصف أمام دوائر النّفوذ المناوئة التي كان جل همّها «دهن سيور» الشركات العظمى. قرّر الرجل أن يحمـل همـّه الى الناس مباشرة من خلال جولات متتابعة شملت العديد من الجامعات الأمريكية ومراكز النفوذ والتجمعات السكانية خارج وداخل وطنه.
ولـكـن الأهـم من تجربة «آل غور» الشّخصية في دهاليز السّياسة الأمريكية، هو الرّسالة التي أصر على ايصالها للناس. تلك هي خطورة الوضع البيئي على الكرة الأرضية. فالاستغلال غير الرشيد لكوكب الأرض أفضى الى اتلاف حلقات كثيرة من السلسلة الحياتية التي يحتاجها الانسان بصرف النّظر عن وطنه أو لونه أو جنسه.
ونحن في هذه البلاد الطّيبة لسنا بمعزل عمّا يدور في هذا الفلك. وبهذا ذكّرنا مقال الأستاذ عيسى الحليان, جزاه الله خيراً بعكاظ بتاريخ 5/4/1428هـ. فلقد أشار بضرورة المحافظة على أشجار الغابات لأهمية ذلك بيئيا واجتماعيا، وهذا أمر أصبح من المسلّمات في العالم بأجمعه.
ومع هذا فطبيعة البشر تدفعهم الى ملاحظة التأثيرات المباشرة عليهم سلبا كانت أم ايجابا، أمّا التأثيرات غير المحسوسة فتبقى كذلك الى أجلها. لهذا أثار اهتمامي تقرير اقتصادي يظهر الأثر الايجابي المباشر على «جيوب» النّـاس ان هم استثمروا بعض أموالهم في أشجار الغابات. والمعلومات التي سأوردها تنحصر في الاستثمار العالمي بأسواق المال الأمريكية لضخامة حجمها وتأثيرها الدولي. أوضح التقرير بأن معظم الاستثمارات خلال الثلاثين عاما الماضية كانت توظف في أسواق الأسهم والسندات التي استحوذت على نحو 77% من السيولة، بينما لم تنل استثمارات أشجار الغابات سوى 0.3% من تلك الأموال.
هناك سببان رئيسان لبرودة الاستثمار في أشجار الغابات : أولهما طول الأجل، وثانيهما شح المعلومات. فهذه الاستثمارات رغم أدائها المالي الجيد والمستقر، الاّ أنّها تحتاج النفس الطويل من المستثمرين. كما أنّ سواد الناس يعتقدون أنّ عائدات هذه الأشجار تأتي بمجرّد قطعها وتحويلها الى أوراق أوأخشاب. بينما يتم استخدام هذه الأشجار لانتاج أصناف من المواد اللاصـقة والزيوت, فضلا عن الأسمدة و البارود والعقاقير والعطور.
ولأهمية هذه المادّة الحيوية نجد أنّ هذا الاستثمار كان أكثر مردودا من كثير من الأسهم والسـندات والسّلع. فمنذ عام 1975م حتى عام 2005م، حقق المستثمرون في أشجار الغابات عائدا سنويا بمعدّل 13.4%. هذا يعني أنّه اذا كنت قد استـثمـرت 10.000.00 دولار أمريكي في عام 1972م فسيصبح لديك الآن نحو نصف مليون دولار. أدركت جامعة «هارفرد» الشهيرة، التي لديها مؤسسات مالية مرموقة تدير وقفها الذي يبلغ مئات الملايين من الدولارات، استقرار ومردود هذه الاستثمارات فقامت برفع استثماراتها من الأخشاب حتى بلغت 12% من مجموعها.
إن ندرة غاباتنا تجعلها أغلى وأعز الى أنفسنا! فاذا كان مجرّد التوعية لم يجد نفعا، لماذا لا نكلّف شركات متخصّصة باستثمار غاباتنا كمشاريع تجارية مجدية وحفظها من عبث الطامعين بالربح السريع. ولماذا لا تصدر الدّولة الرشيدة, أو المؤسسات الاستثمارية سندات (شرعية) طويلة الأجل لتنمية غاباتنا؟ ومن جانب آخر فنحن نستهلك آلاف الأمتار والأطنان من الأخشاب والأوراق والمنتجات الشجرية الأخرى. فلماذا لا يقوم تجّارنا بالاستثمار في بعض الشركات المعنية أسوة بوكلاء السيّارات الذين استثمروا في مصانع سيارات عالمية بدلا من الاكتفاء بتسويقها!
Samirabid@yahoo.com