إنها تتحفظ.. فقط!

محمد أحمد الحساني

منذ أن كان الاتحاد السوفيتي القوة الكبرى الثانية في العالم أو بالأصح القوة المقابلة لقوة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ كان في عز مجده وقوته، فإن وقائع التاريخ لم تسجل لموسكو موقفاً واضحاً صادقاً من حلفائها العرب المشرقيين في مواجهتهم مع الكيان الصهيوني، بل كانت مواقفها تدعو للتساؤل في بعض الأحيان وتجعل أصدقاءها وحلفاءها في حيرة من أمرها، مما جعل العقلاء منهم يصرفون النظر عن الاعتماد عليها في صراعهم مع أعدائهم بعد أن ثبت لهم أن الروس مثل «رِجل المرفع لا يضر ولا ينفع» وآخر موقف روسي غير واضح وربما يستحق أن يوصف بالتخاذل قول مسؤولين روس إن بلادهم «تتحفظ» على عملية إقرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال رفيق الحريري، تتحفظ على إقرار المحكمة عبر مجلس الأمن تحت وطأة «البند السابع»، ولكنها سوف تكتفي بالتحفظ دون اللجوء إلى استخدام حق النقض (الفيتو)!
هذا الموقف الحربائي الغامض لن ينتج عنه إلا إقرار المحكمة تحت البند السابع، وفي ذلك خذلان واضح لمن كانوا يظنون أنه سوف يكون لموسكو موقف، وأن موقفها الداعم لهم سوف يحول دون إقرار المحكمة تحت وطأة ذلك البند الصارم!
إن اكتفاء موسكو بالتحفظ في هذه المسألة إنما هو امتداد لمواقفها التاريخية منذ أربعين عاماً وبالتحديد منذ عام 1967م. وقد قرأنا لمعلقين سياسيين عرب وأجانب في زمن النكسة عام 67م أن القيادة المصرية بلغها عن طريق معلومات استخباراتية وجود تحركات للقوات الصهيونية للقيام بضربة جوية مُباغتة للقوات الجوية المصرية فتشاورت في ذلك مع موسكو، وأن المصلحة تقتضي استباق الضربة الصهيونية بضربة مصرية، ولكن القيادة السوفيتية نصحت نظيرتها المصرية بعدم البدء في الحرب حتى لا تحرج موسكو مع واشنطن واعدة بتلافي ما كانت تل أبيب تنوي القيام به، ولكن الضربة المباغتة تمت وكان ما كان وحصلت الهزيمة التي ستمر ذكراها الأربعون بعد شهرين؟!
ولما غزا صدام الكويت عام 1990م تلقى وعوداً هلامية من جورباتشوف وشركاه، ثم رأت بغداد موسكو تلتهم المساعدات الغربية والإقليمية وتحتج -دون حراك- مع كل قصف للقوات العراقية، وتكرر الأمر قبل أربع سنوات، وسيظل يتكرر مادام أنه لا يوجد من يتعظ أو يعتبر!!