حسبة عابرة للقارات

خلف الحربي

لم يكن ينقص المعلقين على صور مشجعات مباراة السوبر السعودي بين الهلال والنصر التي أقيمت في لندن سوى مطالبة اتحاد كرة القدم بانتداب فريق حسبة متخفٍّ عن أعين الإنجليز، بحيث يلبس المحتسبون قمصان الهلال والنصر ويبدأون بالاحتساب على المشجعات اللواتي حضرن المباراة في بلاد الضباب على طريقة: (تغطي يا مرة).. (اخفضي صوتك يا أختاه).. (لا.. هذي ما هي سعودية اتركوها!).
الأمر المؤكد في هذه المباراة أن أيا من الذئاب البشرية الموجودة في المباراة لم تلتهم درة واحدة من الدرر المكنونة (المتمكيجة) من حولهم!، لقد عم السلام بين الذئاب والحملان دونما حاجة لأي أحد يقول لأي أحد لا تقترب من أي أحد!
حسنا.. تريدون أن تقولوا بأن صور المشجعات الحسناوات اللواتي ظهرن في مدرجات المباراة اللندنية لا تمثلنا.. هذا صحيح.. إنها تمثل لندن.. قلب العالم النابض والمدينة التي امتزجت بثقافات العالم من شرقه إلى غربه دون أن تتخلى عن إطارها التقليدي العريق.
لم تقدم لندن شيئا سوى الملعب والقواعد، اللاعبون منا.. والمشجعون منا.. وقائمة المأكولات والمشروبات الحلال في مطاعم الملعب من اختيارنا.. والرعاة منا.. والأموال منا هذا هو الأهم.. ولم يفعل المشجعون الذين حضروا المباراة أمرا يخالف القواعد، وكانت صورتهم أفضل من عشرات الصور التي ظهرت لسياح سعوديين خليجيين ينتهكون كل القواعد في مدن أوروبية مختلفة.
أما الفتيات اللواتي حضرن المباراة، فإنهن بالتأكيد لا يمثلن أحدا.. بل يمثلن أنفسهن.. لقد حضرن أصلا إلى هنا خصيصا كي يمثلن أنفسهن فقط وذواتهن وليس أي أحد آخر.. لذلك فإن حجم ما قرأناه في وسائل التواصل الاجتماعي من قذف واتهامات وتشنيع هو أمر غير مسؤول وغير معقول وغير مقبول ويتخطى حدود الذهول.. لأن لا شيء يستدعي كل هذا الضجيج وكل هذه البذاءات.. فصور المشجعات في المباريات الدولية لا تنقطع، أما صور المشجعات السعوديات فقد ظهرت أكثر من مرة في المباريات التي يلعبها المنتخب أو الأندية السعودية خارج البلاد.
بشكل عام، كانت المباراة جميلة ولكنها لحظة مستأجرة.. مثل حفلات المطربين السعوديين في أوروبا والعواصم العربية.. لحظات أنيقة ورشيقة ولكنها غير متوفرة.. مخبأة دائما في أدراج العمر.. وكل من يفتح الدرج ذات غفلة ليكتشف كم هي الحياة جميلة وبسيطة وخالية من العقد تأتيه الصرخات الخائفة المخيفة من كل حدب وصوب!.
وأخيرا.. مبروك للهلال وحظا أوفر للنصر.