نافذة على فلسفة العصر

احمد عائل فقيهي

هناك أسماء في الثقافة العربية تظل، وإن توارت واختفت وراء الغيب، هي أكثر حضورا وخروجا من حالة الغياب؛ نظرا للتأثير القوي والعميق الذي أحدثته من خلال ما قدمته من ثقافة وفكر وإبداع ومعرفة.
من هذه الأسماء الكبيرة يبرز اسم المفكر الراحل الدكتور زكي نجيب محمود صاحب الكتب المهمة والتأسيسية في الفكر العربي وفي الفلسفة، منها كتبه: تجديد الفكر العربي، قصة عقل، وثقافتنا في مواجهة العصر، وغيرها التي تركز في مجملها على القضايا الفكرية والفلسفية، والتي طرح من خلالها الفكر الوضعي والمنطقي وأهمية تكريسه في الخطاب الفكري والفلسفي العربي.
مناسبة هذا الحديث عن هذا المفكر والفيلسوف المصري الكبير هو صدور الجزء الثاني من كتابه «نافذه على فلسفة العصر» الصادر في سلسلة «كتاب العربي» مؤخرا العدد 98، والذي يضم المقالات التي كان ينشرها في «مجلة العربي» الكويتية عندما كان يكتب فيها في بداية السبعينات الميلادية، وقد صدر الجزء الأول من هذا الكتاب وبنفس العنوان منذ عدة سنوات، وبالتحديد في عام 1990م العدد 127 في سلسلة «كتاب العربي».
زكي نجيب محمود مفكر ومثقف تنويري بامتياز، وهو يمثل ــ مع أسماء كبيرة في الثقافة العربية، تبدأ من ذلك الأعمى المبصر والعبقري طه حسين وسلامة موسى وعبدالرحمن بدوي وحسن حنفي، إلى فؤاد زكريا ومحمود أمين العالم ونصر حامد أبو زيد والجابري وأركون والعروي وأدونيس، وآخرين من أولئك الذين ذهبوا بعيدا وعميقا في مساءلة الثقافة العربية في ماضيها وحاضرها، وفي قراءة الواقع العربي بكل أنساقه الدينية والاجتماعية والتاريخية، وفتحوا نوافذ على ثقافة العصر في رهاناتها المختلفة والمتعددة.
هذا الكتاب يعيد ضرورة الالتفات إلى الأعمال الجليلة التي أنتجها عالم جليل ومفكر بحجم زكي نجيب محمود، الذي ظل وإلى آخر لحظة في حياته يؤسس لثقافة بقدر ما تحاول الخروج من دوائر الماضي بقدر ما تأخذ من الماضي، وهو ما اتضح جليا في كتابه «عربي بين ثقافتين»، وسط الكثير من الكتب الصادرة اليوم لمن يعرفون ولمن لا يعرفون ولمن يفكرون ولمن لا يجيدون مهارة وفريضة التفكير يصدر هذا الكتاب «نافذة على فلسفة العصر»، والذي يحتوي على أربعة أبواب، أولها في «في مذاهب الفلسفة وشخصيتها»، وثانيها «في فلسفة الخيال»، وثالثها «في فلسفة القيم» ورابعها في «تجديد الفكر العربي».. كتاب قيم.. لمفكر ومثقف كبير فقدته الحياة العربية.. وعقل تنويري تظل الثقافة العربية والواقع العربي أكثر احتياجا له من خلال كتبه ومشروعه الفكري الكبير، ذلك أن العقول الكبيرة لا تتكرر كثيرا، خصوصا ونحن نعيش في زمن مساحة الظلام تتسع لتصبح أكثر اتساعا من مساحة النور في زمن العقول المفخخة من أجل بناء مجتمع مدني حديث يعطي للمعرفة والثقافة والعلم المكانة اللائقة ويحترم قيمة العقل وقيمة الإنسان.