إصدار السندات ورسوم «البيضاء» يقضيان على عجز الموازنة
تنويـع مصادر الدخل يتطلب اعتماد الصناعة هدفا استراتيجيا .. ندوة «عكاظ»:
الأحد / 15 / ذو القعدة / 1436 هـ الاحد 30 أغسطس 2015 20:04
أدار الندوة: حازم المطيري (الرياض)
اتفق عـدد من خبراء الاقتصاد، على أن الاحتياطيات المالية الضخمة التي تجاوز حجمها 2,5 تريليون ريال، كافية لتمويل أي عجز متوقع في موازنة العام الحالي، وأعوام مقبلة، مشيرين خلال ندوة «عكاظ» إلى أن تنويـع مصادر الدخل، ومعالجة متغيرات الدخل المرتبط بإيـرادات النفط، يتطلب تنفيذ خطة تعتمد على الصناعة كخيار إستراتيجي للمملكة، مؤكدين ضرورة تعظيم الإيـرادات من خلال حزمة قرارات جوهرية تقود نحو تنويـع الاقتصاد، وبناء قاعدة إنتاجية قادرة على خلق إيـرادات متنوعة، وتعظيمها بشكل دائم، موضحين أن إصدار السندات الحكومية هو الخيار الأمثل لتمويل العجز؛ لأن الحكومة ستحقق من خلاله أهدافا إضافية، منها خفض الضغوط التضخمية، وتحقيق الكفاءة الاستثمارية للسيولة المتاحة، وتوفير فرص استثماريـة آمنة للمؤسسات الحكومية ذات الملاءة المالية، وتنشيط سوق الصكوك والسندات، مؤكدين أهمية فرض الرسوم على الأراضي البيضاء لرفع إيـرادات الدولة سنويا من خلال ضخ مئات المليارات قياسا على التقييم الحالي للأراضي، بالإضافة إلى حل مشكلة الإسكان.
وبين ضيوف الندوة أن ضبط الإنفاق الحكومي أمر يجب تحقيقه عن طريـق مراجعة المشروعات المقترحة، والتركيز على المشروعات التي لا يمكن تأجيلها، إضافة إلى تدقيق ومراقبة الإنفاق بشكل عام، وفي القطاعات التي يتعاظم فيها الهدر بشكل خاص، وفرض سياسة التقشف المالي، بما يساعد في تقليص النفقات بشكل متوافق مع حجم الانخفاض الحاصل في الدخل، وتفعيل الرقابة الحكومية الصارمة في تحصيل الرسوم المهدرة..؛ وذلك ما سيساعد في زيادة الدخل المحلي، وفتح مناطق حرة في الموانيء الكبرى. وأكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسات البترولية الدكتور راشد أبانمي، أن الظروف التي يمر بها العالم، وذلك من خلال تقاريـر حديثة لمؤسسات مالية قد أعطت تقديرات سلبية لاقتصاد المملكة.، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي في تقريـره الأخير بين احتمال وجود عجز في ميزانية المملكة يصل إلى 20 في المئة. وقال أبانمي: «النفط يمثل 90 في المئة من موارد المملكة المالية، وأي اهتزاز في أسعار النفط سينعكس مباشرة على مواردنا المالية كما أن إنتاج المملكة من البترول 10 ملايين يوميا، منذ أن كان سعر النفط 115 دولارا للبرميل، ولازال الإنتاج كما هو، ولكن الأسعار انخفضت إلى أكثر من النصف، والنظرة الاقتصادية العالمية تنبىء بالأسوأ، فأسعار النفط وصلت إلى 60 دولارا في عام 2014، ولازال الاقتصاد الدولي يعاني من كساد، كما أن الطلب على النفط عادة يكون في ظل النمو الاقتصادي، وإذا كان هنالك زيـادة في المعروض فإن ذلك سيقابله طلب منخفض ومن ثم الضغط على الأسعار».
مراجعة الخطط الخمسية
وتابع أبانمي: «في عام 2009 وصل سعر البرميل إلى 30 دولارا، في فترة وجيزة، وتجاوز هذا الانخفاض وارتفع من جديد، ولكن الآن لا نرى أي بوارد لارتفاعه من جديد، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط، إلا أن ما يهمنا حاليا هو كيفية التعامل مع أسعار البترول المنخفضة إلى حد الانهيار؛ نظرا لأن اقتصادنا مرتبط ارتباطا عضويا بعوائد النفط، وبالتالي فإن الدورة الاقتصادية التي نمر بها الآن في بداية نزولها؛ وذلك ما يوجب مراجعة الاستراتيجية الاقتصادية برمتها، وتدارك الأمر بسرعة لتقليل الاعتماد على النفط، فالتحديات عميقة ولم نكن أكثر اعتمادا على إيـرادات النفط مما نحن عليه الآن، وبذلك فإن الحاجة أصبحت ملحة للانتقال إلى مرحلة تنويـع مصادر الاقتصاد لمواجهة متغيرات الدخل، وخفض الاعتماد على إيـرادات النفط، نعم هذا الهدف الذي دأبت كل الخطط الخمسية الحكومية التنموية منذ بداياتها الأولى، ولكن لم يتحقق على الإطلاق، إذ إن واردات النفط مازالت تشكل أكثر من 90 في المئة من إجمالي دخل الموازنة؛ وهو ما يستدعي، وعلى وجه السرعة، تخفيض تلك النسبة الكبيرة من اعتمادنا على عائدات البترول، حيث إن لدى المملكة الكثير من الميزات التي تجعلها قادرة على تنويـع مصادرها للدخل على المستويين المتوسط والبعيد، وهي مميزات نسبية للمملكة من شأنها ليس فقط تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، بل تأهيل المملكة إلى أن تصبح من أوائل كبريات الاقتصاد في العالم كاليابان وكوريا.
استخدام النفط
وبين أبانمي بقوله: «يرى بعض المراقبين أن انهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة هو نتيجة طبيعية للعوامل الاقتصادية وفي مقدمتها تزايد الإنتاج من النفط الصخري والرمال النفطية في الولايات المتحدة، وتراجع الاستهلاك النفطي في الصين، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وفي الجهـة المقابلة يرى البعض الآخر أن الأهداف الجيوسياسية لعبت دورا ليس خفيا في ما يحدث، وأن ما يحدث الآن من انخفاض للأسعار ليس جزءا من دورة اقتصادية طبيعية، بل هناك ما يشير إلى وجود قرار سياسي خلف هذا الانهـيار؛ نظرا لأن النفط يلعب دورا كبيرا في السياسة الدولية وبشكل متزايد خلال العقود الماضية، لاسيما أن النفط كان منذ عامين قد بدأ استخدامه سياسيا وكان من أهم بنود حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على دول مثل إيـران على خلفية برنامجها النووي، وأخيرا العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية».
ترشـيد الإنفاق
من جهته أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية محمد بن فهد العمران، أنه في حال استمرار تراجع أسعار النفط مستقبلا فإنه لابد من إعادة النظر في الوضع المالي للمملكة، خاصة إذا ما بقيت أسعار النفط لفترة طويلة تحت مستوى 50 أو حتى 40 دولارا، كما هو محتمل بنسبة كبيرة، نظرا لأن إيـرادات الدولة تعتمد بشكل كبير على النفط، مشيرا إلى أن البدائل المتاحة معروفة وهي السحب من الاحتياطي وإصدار السندات الحكومية، منوهين إلى أنه خلال النصف الأول من هذا العام كان التركيز على السحب من الاحتياطي، لكن في النصف الثاني أصبح التركيز على إصدار السندات الحكومية، مبينا أنه توجد بدائل أخرى من المتوقع اللجوء إليها مستقبلا ستكون أكثر فعالية تتمثل في ترشيد الإنفاق، وخصخصة القطاعات الحكومية، وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء وغيرها.
وقال العمران: «قـرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى في ظل ضعف الإيـرادات، ففي حال إقراره بالطريقة الصحيحة فسيتحقق هدفان استراتيجيان الأول زيادة إيرادات مباشرة للدولة، والآخر انخفاض أسعار الأراضي والمساهمة في حل جزء من مشكلة الإسكان، وبالنسبة للمبلغ المتوقع أن يدره قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء فهو سيعتمد بشكل كبير على الآلية التي سيتم تنفيذها وبلا شك فإنه في حال تطبيق القرار فإن إيـرادات ستدر سنويا مئات المليارات قياسا على التقييم الحالي للأراضي داخل النطاقات العمرانية في المدن الرئيسية، وفي حالة استمرار هبوط أسعار النفط لفترة طويلة فإن ترشيد الإنفاق واتباع سياسات مالية تقشفية خيار لا مفر منه وغالبا سيتم الترشيد في الباب الرابع في الموازنة المتعلق بالمشاريـع الاستثماريـة؛ وهو ما يعني وجود احتمالات عالية لتقليلها خلال السنوات المقبلة قياسا على وضع أسعار النفط.
قـرار «ساما»
وعن كيفية تمويل عجز الموازنة في ظل تراجع أسعار البترول أشار المستشار الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين، إلى أن الاحتياطيات المالية الضخمة التي تحتفظ بها الحكومة، التي تجاوز حجمها 2,5 تريليون ريال، وهي احتياطيات كافية لتمويل أي عجز متوقع في موازنة العام الحالي، وأعوام مقبلة، إضافة إلى أنها تشكل السيولة المتاحة في الاقتصاد من وسائل التمويل المتاحة، إذ إنه سيولة يمكن للحكومة السحب منها متى شاءت لمواجهة أية إلتزامات مالية تنموية، وبالتالي فإن خيارات التمويل متاحة أمام الحكومة، وعليها اختيار الأفضل بما يسهم في بناء الاقتصاد على أسس احترافية.
وقال البوعينين: «يبدو أنه تم اتخاذ تدابير متنوعة لسد العجز، حيث تم التوجه في البداية لسحب جزء من الودائع الخارجية لسد العجز، وهي آلية متوافقة مع إستراتيجية تنظيم التدفقات المالية التي تعتمد بشكل كبير على التدفقات المالية المستقبلية المرتبطة بمداخيل النفط، كما أن استمرار العجز، وانخفاض الدخل فرضا على مؤسسة النقد العربي السعودي تغيير إستراتيجيتها والتوجه نحو تسييل بعض احتياطياتها الأجنبية من الأوراق المالية بدلا من اللجوء إلى السحب من الودائــع لدى البـنوك، فتسيـيـل الأوراق المالـية ربما كان القرار الأمثـل لـ «ساما» خاصة مع توقعات رفع المجلس الفيدرالي الأمريكي للفائدة، التي ستؤثر سلبا في قيمة السندات مستقبلا، كما أن استمراريـة السحب من الاحتياطيات قد لا يكون القرار الأنسب مع تضخم السيولة المتاحة في الاقتصاد، وهي سيولة تتسبب في تغذية التضخم المحلي، لذا يمكن القول إن إصدار سندات حكومية لتمويل العجز هي الأنسب في الوقت الحالي، شريطة تحقيق كفاءة الاستثمار للاحتياطيات المالية الخارجية، إضافة إلى تحقيق عنصر الأمان لها من خلال التنويـع الاستثماري، والنقدي، والتوزيـع الجغرافي على الدول الصناعية الكبرى.
التحوط المالي
وحول الوضع المالي في المملكة في ظل تراجع أسعار البترول، أكد البوعينين أنه خلافا على أن انخفاض النفط بنسبة تفوق 50 في المئة من سعره مقارنة بالأعوام السابقة يؤدي إلى انخفاض حاد في الإيـرادات السعودية التي تعتمد بشكل رئيسي على إيـرادات النفط، وبالتالي فإن الأثـر المالي سيكون جليا ولا شك، إلا أن التحوط المالي الذي انتهجته الحكومة السعودية خلال العشر سنوات الماضية، وبناءها احتياطيات تفوق في مجملها 2,5 تريليون ريال أسهم في خفض المخاطر المتوقعة، وحد نسبيا من انعكاسات انخفاض الدخل، لذا احتفظت المملكة بتصنيفها الائتماني العالمي برغم الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتقلص الإيـرادات الحكومية، وتثبيت التصنيف الائتماني كان على علاقة بقدرة المملكة على الوفاء بإلتزاماتها المالية المستمدة من وجود الاحتياطيات الضخمة، وانخفاض الدين العام، إضافة إلى توقع عودة أسعار النفط مستقبلا لتعويض بعض خسائرها.
الضغوط التضخمية
وتابـع البوعينين: «إصدار السندات الحكومية هو الخيار الأمثل لتمويل العجز؛ لأن الحكومة ستحقق من خلاله أهدافا إضافية غير هدف تمويل العجز، ومنها خفض الضغوط التضخمية كنتيجة مباشرة لسحب السيولة من السوق، وتحقيق الكفاءة الاستثمارية للسيولة المتاحة في الاقتصاد، وتوفير فرص استثماريـة آمنة للمؤسسات الحكومية ذات الملاءة المالية؛ والقطاع المصرفي والمواطنين، وتنشيط سوق الصكوك والسندات؛ وبناء الاقتصاد على أسس مالية ذاتية توفر الاستدامة والكفاءة في آنٍ، ولكن هناك بدائل أخرى وهي السحب المباشر من الودائع الحكومية في الخارجي، أو تسيـيـل بعض الأوراق المالية الخارجية لتوفير السيولة اللازمة، إضافة إلى بعض البدائل التي لن يكون لها قبول لدى المواطنين والمستثمرين، وهي البدائل المرتبطة بالرسوم وتقليص الدعم الحكومي بغرض توجيهـه لمشروعات تنموية مهمة».
وحول الموقف تجاه فرض رسوم على الأراضي البيضاء أوضح البوعينين، أن رسوم الأراضي ربما تكون من الحلول المقترحة لمعالجة احتكار الأراضي وتضخم أسعارها، والمرتبطة بشكل مباشر بأزمة الإسكان، وبالتالي فالنظر إلى رسوم الأراضي على أنها جـزء من حلول معالجة العجز، وزيادة إيـرادات الحكومة الداخلية قد لا يكون مفيدا في الوقت الحالي، ويجب أن يكون في محيطه التشريعي المرتبط بمعالجة أزمة الإسكان، مفيدا أن الرسوم المقترحة موجهـة بالدرجة الأولى لتوفير الأراضي وتطويـرها وبناء المساكن وتمويـل المواطنين لشراء منازلهم.
تعظيم الإيـرادات
ونوه قائلا: «تعظيم الإيـرادات ليس بالأمر السهـل الذي يمكن تحقيقه بشكل مفاجىء، أو بإتخاذ قـرار ما، بل يعتمد على حزمة قـرارات إستراتيجية تقود نحو تنويـع الاقتصاد، وبناء قاعدة إنتاجية قادرة على خلق إيـرادات متنوعة، وتعظيمها بشكل دائم، إضافة إلى ذلك فلدينا قطاعات اقتصادية معطلة يمكن أن تسهـم في تعظيم الدخل من خلال الاستثمار الجـيد، كما أن خصخصة بعض القطاعات قد تسهـم في تعظيم الدخل وخفض النفقات في آن واحد، فالقـرارات الارتجالية لا تساعد على وضع الحلول الدائمة، العجـز المتوقـع هذا العام، وربما العام المقبل يوجب الالتزام الكلي بتحقيق هدف تنويـع مصادر الدخل الذي اعتمد منذ الخطة الخمسية الأولى ولم ينفذ حتى الآن، وأعتقد أن تعظيم الإيـرادات يفترض أن يكون هدفا إستراتيجيا يوضع من أجل تحقيقه خطط واضحة وفق فترة زمنية محددة».
مراجعة المشروعات
وزاد البوعينين: «ضبط الإنفاق الحكومي أمـر يجب تحقيقه، لذا لا بد من مراجعة المشروعات المقترحة والتركيز على المشروعات التي لا يمكن تأجيلها، إضافة إلى تدقيق ومراقبة الإنفاق بشكل عام، وفي القطاعات التي يتعاظم فيها الهـدر بشكل خاص، وفرض سياسة التقشف المالي وبما يساعد في تقليص النفقات بشكل متوافق مع حجم الانخفاض الحاصل في الدخل، تفعيل الرقابة الحكومية الصارمة جـزء من الأدوات المهمة في تحقيق كفاءة الإنفاق، ويمكن للحكومة مراجعة عقود التأجـير مع المستثمرين؛ لتعظيم الدخل، كما أن تفعيل دور الجهات الحكومية في تحصيل الرسوم المهـدرة، التي لا تدفع لخزينة الدولة سيساعد في زيادة الدخل المحلي، من خلال تطويـر قطاعي النقل الجوي، والموانىء السعودية، وفتح مناطق حـرة في الموانىء الكبرى يمكن أن يسهم في تحسين الدخل الحكومي في المستقبل القريـب، التركيز على الخطط الإستراتيجية يمكن أن يوفر حلولا دائمة لمعالجة متغيرات الدخل المرتبط بإيـرادات النفط، لذا فإن الأمر يتطلب تنفيذ خطة إستراتيجية لتنويـع مصادر الدخل، وهو هدف يمكن تحقيقه من خلال تنويـع مصادر الاقتصاد والاعتماد على الصناعة كخيار إستراتيجي للمملكة.
الخصخصة أداة الإصلاح
وأفاد البوعينين: إنني أجزم بأن «الخصخصة» هي أحد أهم أدوات الإصلاح الاقتصادي؛ وخفض الالتزامات المالية الحكومية؛ وبالتالي فبدء الحكومة في خصخصة بعض القطاعات المحققة للدخل؛ سيساعدها في تحقيق ثلاثـة أهداف رئيسية؛ الأول الانعتاق من إلتزاماتها المالية؛ وبالتالي خفض النفقات الحكومية. الثاني توفير دخل حكومي من خصخصة تلك القطاعات؛ الثالث تحقيق جودة الخدمات وتطويـرها بما يحقق رضى المواطنين؛ وتطويـر الخدمات.
وحول تأجيل المشاريـع الطموحة في الميزانية إلى حين، أشار البوعينين، إلى أن المشروعات تختلف فيما بينها بحسب أهميتها، حجمها، آلية تمويلها..، مفيدا بقوله: «ما أتمناه هو التركيز على الإنفاق الاستثماري الذي لا يمكن تأجيله؛ لأن في إنجازه قوة دفع ذاتية مستقبلية للتنمية، أما المشروعات الأخرى فيمكن تأجيلها بسهولة، بل إن لدينا مشروعات طرحت منذ سنوات ولم تستكمل بعد، لذا فالأولى استكمال المشروعات المتعثرة أو التي تواجه بطئا في التنفيذ، بدلا من اعتماد مشروعات جديدة وتكديسها، وأعتقد أن تصنيف المشروعات الحكومية بحسب الأهمية سيساعد كثيرا في إعادة جدولتها وبطريقة لا تؤثـر سلبا على التنمية، ومن جهـة أخرى يمكن للحكومة أن تستثمر السيولة المتاحة في الاقتصاد لتمويل المشروعات المنتجة من خلال السندات، ومنها مشروعات الطاقة والموانىء والمطارات والتحلية وغيرها، وهي مشروعات مولدة للدخل وبالتالي تكون قادرة على الوفاء بالالتزامات المالية من خلال دخلها المتوقع تحقيقه بعد الإنجاز».
تسريـع الصناعات
في المقابل توقع رئيس اتحاد المقاولين العرب فهد الحمادي، أن انخفاض سعر النفط لن يوثر على السيولة في المشاريـع؛ نظرا للثقة في السياسة الاقتصادية للحكومة الرشيدة، مشيرا إلى أن المملكة تتميز بكونها تتمتع بمستوى منخفض في الدين العام مقارنة بدول أخرى، إلى جانب وجود الاحتياطات الضخمة، مضيفا: أن الاقتصاد لديه قدرة تحمل الانخفاضات في أسعار النفط على المستوى المتوسط، لافتا إلى أنه وعلى الرغم من الانخفاض، إلا أن هناك دولا صناعية كبرى تستفيد من النفط في تسريـع عملية الصناعات لديها، وبالتالي يكون هناك احتمالية في عودة دائرة العملية الاقتصادية خلال الأعوام المقبلة.
وقال الحمادى: «إننا لانعاني ندرة في الأفكار أو الأهداف الإستراتيجية، بقدر معاناتنا من تطويـر أجهـزتنا التنفيذية، التي يفترض أن تهتم بتحويل الأهداف الموضوعة إلى واقع نعيشه، وتحديات الدخل الحالية يفترض أن تدفعنا نحو مراجعة الخطط الاقتصادية التي لم تسهـم في تحقيق الأهداف».، وطالب الحمادي الجهات المالكلة للمشاريـع بضرورة إيجاد شفافية بينها وبين والمقاول فيما يخص السيولة.
وزاد الحمادي بقوله: «تقديـر المختصين في الوكالات الاقتصادية العالمية أرجع الأسباب الحقيقية وراء انهيار أسعار النفط إلى مجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية والمالية العالمية، التي تزامنت وتفاعلت مع بعضها البعض، وأدت إلى انخفاض الطلب على النفط، وبالتالي هبوط الأسعار، إذ يوجد انكماش لم يكن متوقعا في الاقتصاد الأوروبي والصيني والياباني، تزامن مع ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى؛ وهو ما جعل استيراد النفط أكثر كلفة على الاقتصادات المتباطئة، وبالتالي انخفض حجم الطلب على النفط في الوقت الذي ارتفع حجم الإنتاج العالمي من خارج «أوبك»، وتأثـير المضاربات في أوضاع غير مستقرة، ولاسيما في ظل التوقعات الاقتصادية المتشائمة لعام 2015 .. وتابـع قائلا: «المملكة تنتج عشرة ملايين برميل يوميا بحسب البيانات الرسمية وهي بذلك أكبر منتجي النفط في العالم، وتمثـل مصدرا مهما للطاقة بالنسبة لكثير من الاقتصادات العملاقة، كالولايات المتحدة والصين».
وبين ضيوف الندوة أن ضبط الإنفاق الحكومي أمر يجب تحقيقه عن طريـق مراجعة المشروعات المقترحة، والتركيز على المشروعات التي لا يمكن تأجيلها، إضافة إلى تدقيق ومراقبة الإنفاق بشكل عام، وفي القطاعات التي يتعاظم فيها الهدر بشكل خاص، وفرض سياسة التقشف المالي، بما يساعد في تقليص النفقات بشكل متوافق مع حجم الانخفاض الحاصل في الدخل، وتفعيل الرقابة الحكومية الصارمة في تحصيل الرسوم المهدرة..؛ وذلك ما سيساعد في زيادة الدخل المحلي، وفتح مناطق حرة في الموانيء الكبرى. وأكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسات البترولية الدكتور راشد أبانمي، أن الظروف التي يمر بها العالم، وذلك من خلال تقاريـر حديثة لمؤسسات مالية قد أعطت تقديرات سلبية لاقتصاد المملكة.، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي في تقريـره الأخير بين احتمال وجود عجز في ميزانية المملكة يصل إلى 20 في المئة. وقال أبانمي: «النفط يمثل 90 في المئة من موارد المملكة المالية، وأي اهتزاز في أسعار النفط سينعكس مباشرة على مواردنا المالية كما أن إنتاج المملكة من البترول 10 ملايين يوميا، منذ أن كان سعر النفط 115 دولارا للبرميل، ولازال الإنتاج كما هو، ولكن الأسعار انخفضت إلى أكثر من النصف، والنظرة الاقتصادية العالمية تنبىء بالأسوأ، فأسعار النفط وصلت إلى 60 دولارا في عام 2014، ولازال الاقتصاد الدولي يعاني من كساد، كما أن الطلب على النفط عادة يكون في ظل النمو الاقتصادي، وإذا كان هنالك زيـادة في المعروض فإن ذلك سيقابله طلب منخفض ومن ثم الضغط على الأسعار».
مراجعة الخطط الخمسية
وتابع أبانمي: «في عام 2009 وصل سعر البرميل إلى 30 دولارا، في فترة وجيزة، وتجاوز هذا الانخفاض وارتفع من جديد، ولكن الآن لا نرى أي بوارد لارتفاعه من جديد، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط، إلا أن ما يهمنا حاليا هو كيفية التعامل مع أسعار البترول المنخفضة إلى حد الانهيار؛ نظرا لأن اقتصادنا مرتبط ارتباطا عضويا بعوائد النفط، وبالتالي فإن الدورة الاقتصادية التي نمر بها الآن في بداية نزولها؛ وذلك ما يوجب مراجعة الاستراتيجية الاقتصادية برمتها، وتدارك الأمر بسرعة لتقليل الاعتماد على النفط، فالتحديات عميقة ولم نكن أكثر اعتمادا على إيـرادات النفط مما نحن عليه الآن، وبذلك فإن الحاجة أصبحت ملحة للانتقال إلى مرحلة تنويـع مصادر الاقتصاد لمواجهة متغيرات الدخل، وخفض الاعتماد على إيـرادات النفط، نعم هذا الهدف الذي دأبت كل الخطط الخمسية الحكومية التنموية منذ بداياتها الأولى، ولكن لم يتحقق على الإطلاق، إذ إن واردات النفط مازالت تشكل أكثر من 90 في المئة من إجمالي دخل الموازنة؛ وهو ما يستدعي، وعلى وجه السرعة، تخفيض تلك النسبة الكبيرة من اعتمادنا على عائدات البترول، حيث إن لدى المملكة الكثير من الميزات التي تجعلها قادرة على تنويـع مصادرها للدخل على المستويين المتوسط والبعيد، وهي مميزات نسبية للمملكة من شأنها ليس فقط تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، بل تأهيل المملكة إلى أن تصبح من أوائل كبريات الاقتصاد في العالم كاليابان وكوريا.
استخدام النفط
وبين أبانمي بقوله: «يرى بعض المراقبين أن انهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة هو نتيجة طبيعية للعوامل الاقتصادية وفي مقدمتها تزايد الإنتاج من النفط الصخري والرمال النفطية في الولايات المتحدة، وتراجع الاستهلاك النفطي في الصين، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وفي الجهـة المقابلة يرى البعض الآخر أن الأهداف الجيوسياسية لعبت دورا ليس خفيا في ما يحدث، وأن ما يحدث الآن من انخفاض للأسعار ليس جزءا من دورة اقتصادية طبيعية، بل هناك ما يشير إلى وجود قرار سياسي خلف هذا الانهـيار؛ نظرا لأن النفط يلعب دورا كبيرا في السياسة الدولية وبشكل متزايد خلال العقود الماضية، لاسيما أن النفط كان منذ عامين قد بدأ استخدامه سياسيا وكان من أهم بنود حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على دول مثل إيـران على خلفية برنامجها النووي، وأخيرا العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية».
ترشـيد الإنفاق
من جهته أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية محمد بن فهد العمران، أنه في حال استمرار تراجع أسعار النفط مستقبلا فإنه لابد من إعادة النظر في الوضع المالي للمملكة، خاصة إذا ما بقيت أسعار النفط لفترة طويلة تحت مستوى 50 أو حتى 40 دولارا، كما هو محتمل بنسبة كبيرة، نظرا لأن إيـرادات الدولة تعتمد بشكل كبير على النفط، مشيرا إلى أن البدائل المتاحة معروفة وهي السحب من الاحتياطي وإصدار السندات الحكومية، منوهين إلى أنه خلال النصف الأول من هذا العام كان التركيز على السحب من الاحتياطي، لكن في النصف الثاني أصبح التركيز على إصدار السندات الحكومية، مبينا أنه توجد بدائل أخرى من المتوقع اللجوء إليها مستقبلا ستكون أكثر فعالية تتمثل في ترشيد الإنفاق، وخصخصة القطاعات الحكومية، وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء وغيرها.
وقال العمران: «قـرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى في ظل ضعف الإيـرادات، ففي حال إقراره بالطريقة الصحيحة فسيتحقق هدفان استراتيجيان الأول زيادة إيرادات مباشرة للدولة، والآخر انخفاض أسعار الأراضي والمساهمة في حل جزء من مشكلة الإسكان، وبالنسبة للمبلغ المتوقع أن يدره قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء فهو سيعتمد بشكل كبير على الآلية التي سيتم تنفيذها وبلا شك فإنه في حال تطبيق القرار فإن إيـرادات ستدر سنويا مئات المليارات قياسا على التقييم الحالي للأراضي داخل النطاقات العمرانية في المدن الرئيسية، وفي حالة استمرار هبوط أسعار النفط لفترة طويلة فإن ترشيد الإنفاق واتباع سياسات مالية تقشفية خيار لا مفر منه وغالبا سيتم الترشيد في الباب الرابع في الموازنة المتعلق بالمشاريـع الاستثماريـة؛ وهو ما يعني وجود احتمالات عالية لتقليلها خلال السنوات المقبلة قياسا على وضع أسعار النفط.
قـرار «ساما»
وعن كيفية تمويل عجز الموازنة في ظل تراجع أسعار البترول أشار المستشار الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين، إلى أن الاحتياطيات المالية الضخمة التي تحتفظ بها الحكومة، التي تجاوز حجمها 2,5 تريليون ريال، وهي احتياطيات كافية لتمويل أي عجز متوقع في موازنة العام الحالي، وأعوام مقبلة، إضافة إلى أنها تشكل السيولة المتاحة في الاقتصاد من وسائل التمويل المتاحة، إذ إنه سيولة يمكن للحكومة السحب منها متى شاءت لمواجهة أية إلتزامات مالية تنموية، وبالتالي فإن خيارات التمويل متاحة أمام الحكومة، وعليها اختيار الأفضل بما يسهم في بناء الاقتصاد على أسس احترافية.
وقال البوعينين: «يبدو أنه تم اتخاذ تدابير متنوعة لسد العجز، حيث تم التوجه في البداية لسحب جزء من الودائع الخارجية لسد العجز، وهي آلية متوافقة مع إستراتيجية تنظيم التدفقات المالية التي تعتمد بشكل كبير على التدفقات المالية المستقبلية المرتبطة بمداخيل النفط، كما أن استمرار العجز، وانخفاض الدخل فرضا على مؤسسة النقد العربي السعودي تغيير إستراتيجيتها والتوجه نحو تسييل بعض احتياطياتها الأجنبية من الأوراق المالية بدلا من اللجوء إلى السحب من الودائــع لدى البـنوك، فتسيـيـل الأوراق المالـية ربما كان القرار الأمثـل لـ «ساما» خاصة مع توقعات رفع المجلس الفيدرالي الأمريكي للفائدة، التي ستؤثر سلبا في قيمة السندات مستقبلا، كما أن استمراريـة السحب من الاحتياطيات قد لا يكون القرار الأنسب مع تضخم السيولة المتاحة في الاقتصاد، وهي سيولة تتسبب في تغذية التضخم المحلي، لذا يمكن القول إن إصدار سندات حكومية لتمويل العجز هي الأنسب في الوقت الحالي، شريطة تحقيق كفاءة الاستثمار للاحتياطيات المالية الخارجية، إضافة إلى تحقيق عنصر الأمان لها من خلال التنويـع الاستثماري، والنقدي، والتوزيـع الجغرافي على الدول الصناعية الكبرى.
التحوط المالي
وحول الوضع المالي في المملكة في ظل تراجع أسعار البترول، أكد البوعينين أنه خلافا على أن انخفاض النفط بنسبة تفوق 50 في المئة من سعره مقارنة بالأعوام السابقة يؤدي إلى انخفاض حاد في الإيـرادات السعودية التي تعتمد بشكل رئيسي على إيـرادات النفط، وبالتالي فإن الأثـر المالي سيكون جليا ولا شك، إلا أن التحوط المالي الذي انتهجته الحكومة السعودية خلال العشر سنوات الماضية، وبناءها احتياطيات تفوق في مجملها 2,5 تريليون ريال أسهم في خفض المخاطر المتوقعة، وحد نسبيا من انعكاسات انخفاض الدخل، لذا احتفظت المملكة بتصنيفها الائتماني العالمي برغم الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتقلص الإيـرادات الحكومية، وتثبيت التصنيف الائتماني كان على علاقة بقدرة المملكة على الوفاء بإلتزاماتها المالية المستمدة من وجود الاحتياطيات الضخمة، وانخفاض الدين العام، إضافة إلى توقع عودة أسعار النفط مستقبلا لتعويض بعض خسائرها.
الضغوط التضخمية
وتابـع البوعينين: «إصدار السندات الحكومية هو الخيار الأمثل لتمويل العجز؛ لأن الحكومة ستحقق من خلاله أهدافا إضافية غير هدف تمويل العجز، ومنها خفض الضغوط التضخمية كنتيجة مباشرة لسحب السيولة من السوق، وتحقيق الكفاءة الاستثمارية للسيولة المتاحة في الاقتصاد، وتوفير فرص استثماريـة آمنة للمؤسسات الحكومية ذات الملاءة المالية؛ والقطاع المصرفي والمواطنين، وتنشيط سوق الصكوك والسندات؛ وبناء الاقتصاد على أسس مالية ذاتية توفر الاستدامة والكفاءة في آنٍ، ولكن هناك بدائل أخرى وهي السحب المباشر من الودائع الحكومية في الخارجي، أو تسيـيـل بعض الأوراق المالية الخارجية لتوفير السيولة اللازمة، إضافة إلى بعض البدائل التي لن يكون لها قبول لدى المواطنين والمستثمرين، وهي البدائل المرتبطة بالرسوم وتقليص الدعم الحكومي بغرض توجيهـه لمشروعات تنموية مهمة».
وحول الموقف تجاه فرض رسوم على الأراضي البيضاء أوضح البوعينين، أن رسوم الأراضي ربما تكون من الحلول المقترحة لمعالجة احتكار الأراضي وتضخم أسعارها، والمرتبطة بشكل مباشر بأزمة الإسكان، وبالتالي فالنظر إلى رسوم الأراضي على أنها جـزء من حلول معالجة العجز، وزيادة إيـرادات الحكومة الداخلية قد لا يكون مفيدا في الوقت الحالي، ويجب أن يكون في محيطه التشريعي المرتبط بمعالجة أزمة الإسكان، مفيدا أن الرسوم المقترحة موجهـة بالدرجة الأولى لتوفير الأراضي وتطويـرها وبناء المساكن وتمويـل المواطنين لشراء منازلهم.
تعظيم الإيـرادات
ونوه قائلا: «تعظيم الإيـرادات ليس بالأمر السهـل الذي يمكن تحقيقه بشكل مفاجىء، أو بإتخاذ قـرار ما، بل يعتمد على حزمة قـرارات إستراتيجية تقود نحو تنويـع الاقتصاد، وبناء قاعدة إنتاجية قادرة على خلق إيـرادات متنوعة، وتعظيمها بشكل دائم، إضافة إلى ذلك فلدينا قطاعات اقتصادية معطلة يمكن أن تسهـم في تعظيم الدخل من خلال الاستثمار الجـيد، كما أن خصخصة بعض القطاعات قد تسهـم في تعظيم الدخل وخفض النفقات في آن واحد، فالقـرارات الارتجالية لا تساعد على وضع الحلول الدائمة، العجـز المتوقـع هذا العام، وربما العام المقبل يوجب الالتزام الكلي بتحقيق هدف تنويـع مصادر الدخل الذي اعتمد منذ الخطة الخمسية الأولى ولم ينفذ حتى الآن، وأعتقد أن تعظيم الإيـرادات يفترض أن يكون هدفا إستراتيجيا يوضع من أجل تحقيقه خطط واضحة وفق فترة زمنية محددة».
مراجعة المشروعات
وزاد البوعينين: «ضبط الإنفاق الحكومي أمـر يجب تحقيقه، لذا لا بد من مراجعة المشروعات المقترحة والتركيز على المشروعات التي لا يمكن تأجيلها، إضافة إلى تدقيق ومراقبة الإنفاق بشكل عام، وفي القطاعات التي يتعاظم فيها الهـدر بشكل خاص، وفرض سياسة التقشف المالي وبما يساعد في تقليص النفقات بشكل متوافق مع حجم الانخفاض الحاصل في الدخل، تفعيل الرقابة الحكومية الصارمة جـزء من الأدوات المهمة في تحقيق كفاءة الإنفاق، ويمكن للحكومة مراجعة عقود التأجـير مع المستثمرين؛ لتعظيم الدخل، كما أن تفعيل دور الجهات الحكومية في تحصيل الرسوم المهـدرة، التي لا تدفع لخزينة الدولة سيساعد في زيادة الدخل المحلي، من خلال تطويـر قطاعي النقل الجوي، والموانىء السعودية، وفتح مناطق حـرة في الموانىء الكبرى يمكن أن يسهم في تحسين الدخل الحكومي في المستقبل القريـب، التركيز على الخطط الإستراتيجية يمكن أن يوفر حلولا دائمة لمعالجة متغيرات الدخل المرتبط بإيـرادات النفط، لذا فإن الأمر يتطلب تنفيذ خطة إستراتيجية لتنويـع مصادر الدخل، وهو هدف يمكن تحقيقه من خلال تنويـع مصادر الاقتصاد والاعتماد على الصناعة كخيار إستراتيجي للمملكة.
الخصخصة أداة الإصلاح
وأفاد البوعينين: إنني أجزم بأن «الخصخصة» هي أحد أهم أدوات الإصلاح الاقتصادي؛ وخفض الالتزامات المالية الحكومية؛ وبالتالي فبدء الحكومة في خصخصة بعض القطاعات المحققة للدخل؛ سيساعدها في تحقيق ثلاثـة أهداف رئيسية؛ الأول الانعتاق من إلتزاماتها المالية؛ وبالتالي خفض النفقات الحكومية. الثاني توفير دخل حكومي من خصخصة تلك القطاعات؛ الثالث تحقيق جودة الخدمات وتطويـرها بما يحقق رضى المواطنين؛ وتطويـر الخدمات.
وحول تأجيل المشاريـع الطموحة في الميزانية إلى حين، أشار البوعينين، إلى أن المشروعات تختلف فيما بينها بحسب أهميتها، حجمها، آلية تمويلها..، مفيدا بقوله: «ما أتمناه هو التركيز على الإنفاق الاستثماري الذي لا يمكن تأجيله؛ لأن في إنجازه قوة دفع ذاتية مستقبلية للتنمية، أما المشروعات الأخرى فيمكن تأجيلها بسهولة، بل إن لدينا مشروعات طرحت منذ سنوات ولم تستكمل بعد، لذا فالأولى استكمال المشروعات المتعثرة أو التي تواجه بطئا في التنفيذ، بدلا من اعتماد مشروعات جديدة وتكديسها، وأعتقد أن تصنيف المشروعات الحكومية بحسب الأهمية سيساعد كثيرا في إعادة جدولتها وبطريقة لا تؤثـر سلبا على التنمية، ومن جهـة أخرى يمكن للحكومة أن تستثمر السيولة المتاحة في الاقتصاد لتمويل المشروعات المنتجة من خلال السندات، ومنها مشروعات الطاقة والموانىء والمطارات والتحلية وغيرها، وهي مشروعات مولدة للدخل وبالتالي تكون قادرة على الوفاء بالالتزامات المالية من خلال دخلها المتوقع تحقيقه بعد الإنجاز».
تسريـع الصناعات
في المقابل توقع رئيس اتحاد المقاولين العرب فهد الحمادي، أن انخفاض سعر النفط لن يوثر على السيولة في المشاريـع؛ نظرا للثقة في السياسة الاقتصادية للحكومة الرشيدة، مشيرا إلى أن المملكة تتميز بكونها تتمتع بمستوى منخفض في الدين العام مقارنة بدول أخرى، إلى جانب وجود الاحتياطات الضخمة، مضيفا: أن الاقتصاد لديه قدرة تحمل الانخفاضات في أسعار النفط على المستوى المتوسط، لافتا إلى أنه وعلى الرغم من الانخفاض، إلا أن هناك دولا صناعية كبرى تستفيد من النفط في تسريـع عملية الصناعات لديها، وبالتالي يكون هناك احتمالية في عودة دائرة العملية الاقتصادية خلال الأعوام المقبلة.
وقال الحمادى: «إننا لانعاني ندرة في الأفكار أو الأهداف الإستراتيجية، بقدر معاناتنا من تطويـر أجهـزتنا التنفيذية، التي يفترض أن تهتم بتحويل الأهداف الموضوعة إلى واقع نعيشه، وتحديات الدخل الحالية يفترض أن تدفعنا نحو مراجعة الخطط الاقتصادية التي لم تسهـم في تحقيق الأهداف».، وطالب الحمادي الجهات المالكلة للمشاريـع بضرورة إيجاد شفافية بينها وبين والمقاول فيما يخص السيولة.
وزاد الحمادي بقوله: «تقديـر المختصين في الوكالات الاقتصادية العالمية أرجع الأسباب الحقيقية وراء انهيار أسعار النفط إلى مجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية والمالية العالمية، التي تزامنت وتفاعلت مع بعضها البعض، وأدت إلى انخفاض الطلب على النفط، وبالتالي هبوط الأسعار، إذ يوجد انكماش لم يكن متوقعا في الاقتصاد الأوروبي والصيني والياباني، تزامن مع ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى؛ وهو ما جعل استيراد النفط أكثر كلفة على الاقتصادات المتباطئة، وبالتالي انخفض حجم الطلب على النفط في الوقت الذي ارتفع حجم الإنتاج العالمي من خارج «أوبك»، وتأثـير المضاربات في أوضاع غير مستقرة، ولاسيما في ظل التوقعات الاقتصادية المتشائمة لعام 2015 .. وتابـع قائلا: «المملكة تنتج عشرة ملايين برميل يوميا بحسب البيانات الرسمية وهي بذلك أكبر منتجي النفط في العالم، وتمثـل مصدرا مهما للطاقة بالنسبة لكثير من الاقتصادات العملاقة، كالولايات المتحدة والصين».